هذه رسالة "العجب العجاب في أشكال الحجاب" للشيخ عبد المالك بن أحمد رمضاني
عسى الله أن تكون سببا في استيقاظ فتاة من فتيات التوحيد من غفلتها أو تغافلها..
بسم الله الرحمان الرحيم
المقدمة
الحمد لله، وصلّى الله وسلم وبارك على من لانبي بعده، وعلى آله وصحبه.
وبعد، فهذه كلمات وعظيّة مختصرة عن خلق السِّتر والحجاب، أقدِّمها نصيحة لبنات آدم لما رأيت غفلة الكثيرات عن ذلك ، ولمّا أيقنت أن إيقاظ إيمانهن بهدي الكتاب والسنة أنفع لأهل الإيمان من أي مؤثر "آخر فقد ركزت فيه على الكتاب والسنة ، لأن الله عز وجل قال: » وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين" [الذاريات:55]، وقال: »فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ "[ق:45]، ثم تنفلتُ بذكر آثار عن السلف الصالح، لأنها التطبيقات الموثوقة الصحيحة لتلك النصوص
ولقدانفرد جيل هذا الزمن المتأخر بظهور شر عظيم فيه من قِبل النساء إلا ماشاء الله ، بعد أن ظلّت المرأة المسلمة قرونا متتابعة مستورة الجسد في الجملة، بل وفي كثير من مجتمعات أهل الكتاب كان_إلى عهدٍ قريبٍ_ لايَكاد يُرى من نسائها إلا الوجه، وقد كانت الكثيرات منهن يرتدين برقعا خفيفا على وجوههنّ،، لأن هذا كان من بقايا الأخلاق الفاضلة الموروثة من المجتمعات النبوية الغابرة
ثم ظهرت في المجتمعات الغربية نكسة أخلاقية لم يُعرف لها مثيل في تاريخ البشرية، أورثتها جوعة جنسية حولتهم إلى أشباه الحيوانات بلغوا فيها حدا من الجهر بالفواحش لم يُعهد ولافي العصر الروماني الوسخ، انجلت حضارتهم عن أسوأ الفضائح، ذاك هو جَنَى القبائح، ومما زاد الطين بلة والمرض علة ظهور النساء على القنوات الفضائية، ثم انتهى الأمر إلى المواقع العنكبوتية(الانترنت) التي سهلت لكل من فيقلبه مرض أن يتصل بالجنس الآخر في مكالمات رخيصة خبيثة، ومنها دخل الشيطان كثيرا من البيوت المؤمنة، فحول صالحيها رجالا ونساءا إلى مدمني شهوات حتى استُنكر خُلق الحياء والعفة، بل صار النظر فيها إلى العورات المغلظة في متناول الصغار والكبار!!
ولاريب أن أول شيء دخله الفساد هو المرأة، وإذا فسدت المرأة فلاتسأل عن فساد مجتمعها، وأسرع شيء منها يدخله الفساد هو لباسها، فيبدأ الأمر في ذلك في الغرب الكافر ثم تتأثرالمجتمعات الإسلامية بصيحاته العفنة في أزياء الموضة، ظانين أنهم لايتحضّرون إلا بأن يتفسخوا أخلاقيا كتفسخه وأن يتعرّوا كتعريه، وإنك لتدخل بعض البلاد المسلمة فلاتكاد تفرق في الظاهر بين مسلمة وكافرة إلا بالاسم! بل كل لباس فاضح تراه في بلاد الغرب فإن تصوره في بلاد الإسلام اليوم لايحول دونه شيء، فقد بلغت المسلمة من ضعف الإيمان مايبعثُها تقلِّد الكافرة بلاقيود ولاحدود، فيالضعف الولاء والبراء!ومن المتناقضات أن الله تعالى أمر النساء بجر ذيولهن فرفعنا! ونهى الرجال عن جر ثيابهم فجروها! فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: فيرخينه ذراعا لايزدن عليه" رواه الترميذي وصححه الألباني، فيا غربة هذا الحديث في ديار المسلمين! فقد عكس عصيانا تارة، وجهلا أخرى، فرفعت المرأة ثيابها حتى ظهر منها مايجب ستره، وأما الرجل فقد أخذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء وطبقه على نفسه، والعجب أن الشيطان أرى الشيء الواحد جمالا لأحدهما ودماثة للآخر، فأقنع الرجل بأن جمال ثيابه في تطويلها وجرِّها! وأقنع المرأة بأن جمال ثيابها في تقصيرها وكرّه إليها جرها كما كره إليها طهرها وعفافها!
لقد تغير اليوم حال النسوان، وحصل في بلاد الإسلام أمور تشيب لها مفارق الولدان، قالت بنت الصديق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: »((لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى النساء اليوم نهاهن عن الخروج أو حرم عليهن الخروج))، هذا في زمانها، فكيف لو رأت بنات زماننا؟! وإنا لله!
وقد كنت كتبت كتابا لطيفا في هذه المعاني سميته(العجب العجاب في أشكال الحجاب))،ثم رغب إلي بعض الإخوان أن أزيده اختصارا على لطافته، فأجبتهم إلى ذلك على أمل تسهيله، وعلى هذا فماكان في المهذَّب من اختصار في الشرح والتخريج والإحالات روجع له أصله، والله ولي التوفيق
ميل الرجل إلى المرأة وميل المرأة إلى الرجل
جبل الله تعالى الرجال على الميل غلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال ليكون بينهما النسل البشري، ولذلك سرعان ماتنشأ بينهما مودة ولو كانت في الحرام، لكن إنما يبارك الله في العلاقة الحلال فيجعل بينهما مودة عظيمة ودائمة ولو لم يسبق بينهما تعارف، قال تعالى: »وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الروم:21].
ولعل الجاذبية التي بينهما تعد أكبر متطلبات النفس الشهوانية، قال الله عز وجل: »زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ " [آل عمران:14]، روى عبد الملك بن حبيب في ((أدب النساء)) أن عائشة رضي الله عنهاكانت تقول(من شقاوتنا أن الله تعالى جعلنا رأس الشهوات وبدأ بنا في ذكرها))، ثم تتلو هذه الآية، قال العَيني في (عمدة القارئ)(وفتنتهن أشد الفتن وأعظمها، ويشهد له قوله عز وجل: »زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ "، فقدمهن على جميع الشهوات، لأن المحنة بهن أعظم المحن على قدر الفتنة بهن، وقد أخبر الله عز وجل أن منهن لنا أعداء، فقال: » إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]))، وفي( فتح الباري) لابن حجر(وأشر مافيهن عدم الاستغناء عنهن،ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي مافيه نقص العقل والدين، كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا، وذلك أشد الفساد، وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيدفي أثناء حديث: » واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم: »ومارأيت من ناقصات عقل ودين أغلَبَ لذي لبٍّ منكن" وقوله صلى الله عليه وسلم: »ماتركت فتنة بعدي أضرَّ على الرجال من النساء" رواهما البخاري ومسلم، وروى أصحاب((السنن)) عن ابن عباس قال(كانت امرأة تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم حسناء من أجمل النساء، فكان الناس يصلون في آخر صفوف الرجال فينظرون إليها، فكانأحدهم ينظر إليها من تحت إبطه إذا ركع، وكان أحدهم يتقدم إلى الصف الأول حتى لايراها، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: »وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ " [الحجر 24]))، صححه الشيخ الألباني في(الصحيحة)، كل هذا يشهد لقول أبي صالح مولى أم هانئ(بلغني أن أكثر ذنوب أهل الجنة في النساء)) رواه ابن أبي شيبة، وروى أبو نعيم عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه قال( قد بلغت ثمانين سنة وماشيء أخوف عندي من النساء))، وروى عنه أيضا أنه قال(ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء)).
وبهذا الضعف الذي يكون في الرجل تجاه المرأة فسِّر قوله تعالى: »وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا " [النساء:28]، فقد روى عبد الرزاق في (تفسيره) وابن أبي حاتم أيضا في (تفسيره) عند هذه الآية بإسنادين أحدهما صحيح عن طاووس قال(في شأن النساء، أي لا يصبر عنهن))،وقال وكيع( يذهب عقله عندهن))، وقد أورد ابن تيمية أثر طاووس كما في (مجموع الفتاوى) وقال(فميل النفس إلى النساء عام في طبع جميع بني آدم)).
وليُعلم أنه لايُذم الرجل إذا كان شبقا قوي الشهوة إلا إذا كان لا يصبر فيقع فيما حرم الله، أما إذا كان يصرف ذلك فيما أحل الله سبحانه وتعالى فلا عيب عليه بل هو دليل مدح، لأنه من جهة الطبع البشري أكمل في الرجولة، وهو أكمل أيضا من جهة الشرع، وفيه بحث طويل، لكن يكفي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منه الحظ الأوفر، روى البخاري عن أنس ابن مالك قال(كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من اليل والنهار وهن إحدى عشْرة، قال قتادة قلتُ لأنس أوَ كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثيتن)) فلولا أنه مكرمة ماكان الله ليخصه به ولذلك روى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه قال( لقد أعطيتُ منه شيئا ماأعلمُ أحدا أعطيه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني الجماع))، وكثير من الناس يعتقد أن هذا يتنافى مع خلق العفاف والتنزه عن الشهوات، وهذا من آثار الرهبانية النصرانية التي أنكرها الله عليهم جين ابتدعوها، كما قال : » وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوها ماكَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاْ [الحديد 27]، بل إذا اجتمع في المرء قوة هذه الرغبة مع قوة التنزه عنها إلا في الحلال كان أعظم في الأجر، لأنه دليل على قوة الإيمان ، كما حصل ليوسف صلى الله عليه وسلم راجع((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (740/10).
ومن طرائف حكايات أهل الشبق مارواه الطبراني عن محمد ابن سيرين قال(ربما أفطر ابن عمر على الجماع)) وإسناده صحيح، الهيثم ابن خلف وثقه الدارقطني في ((أطراف الغرائب والأفراد)) ومارواه أبو القاسم البغوي في (مسنده) ومن طريقة البيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير((أن رجلا أتى امرأته في عمرة، فقالت: إني لم أقصر(أي الشعر)، فجعل يقرض شعرها بأسنانه، قال:إنه لشبق! يُهريق دما))، وروى ابن حبيب في كتاب ((أدب النساء)) عن يونس بن عُبيد قال(صحبت الحسن البصري ثلاثين سنة، فما سمعته قط قال: عُزلَ أمير ولاوُلِّيَ ، ولاغلا سعر ولا رخص سعر، ولااشتد حر، وماكان ذكره إلا: الموت جاءكم، حتى أتته امرأة يوما ناهيك عن امرأة جمالا وشبابا وشحما ولحما ترتجّ يدفع بعضها بعضا! فترامت جالسة بين يديه ثم قالت: ياشيخ! أيحل للرجل أن يتزوج على امرأته وهي شابة جميلة ولود؟ قال:نعم! أحل الله له أن يتزوج أربعا، قالت:سبحان الله! قال: نعم! قالت: بعيشك لاتخبر بذلك الرجال! ثم قامت منصرفة، فأتبعها الحسن البصري ببصره، ثم قال: ماضرّ امرءا كانت هذه عنده مافاته من دنياه شيء!))، وفيه أيضا عن الحكم بن عتيبة((أن شيخا تزوج شابة فضمته إليها فقدت صدره! فرُفعت إلى علي بن أبي طالب، فقال: إنها لشبقة))!
وقد عقدت هذا الفصل قبل الدخول إلى موضوع الحجاب لنذكِّر القارئ بما فطر الله عليه الرجال والنساء، حتى يبعد كل واحد من الآخر ولايغالط نفسه بادِّعاء الثبات عند الاختلاط أو ادعاء الرجل أنه لا يغيره شيء حتى لو كانت المرأة بغير حجاب! وليوقن كل امرئ حكمة الله سبحانه وتعالى في إيجاب الحجاب، وأن هذا الدين لاينطلق من المثاليات التي لاواقع لها ولمّا كانت المرأة بهذه المثابة من الجاذبية للرجل أمرها الله باتخاذ بعض الأسباب الوقائية، ومن هذه الأسباب لُبس جلباب يستر محاسن جسمها التي لا صبر للرجال على النظر إليها، فقال: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [الأحزاب:59]، فما أعظم هذه الشريعة وماأصدق ملاءمتها للطبيعة البشرية!
الحكمة من لبس الحجاب
قد علمنا أن النساء فتنة للرجال، وأن صبر هؤلاء عليهن قليل، فلنعلم أن الله الذي خلق الذكر والأنثى أمر الأنثى بالحتجاب أمام الرجال الأجانب لئلا تتعرض للإيذاء، ولئلا تعرض الرجال للفتنة فيقعوا في سخط الله، ولنعلم أيضا أن المرأة إذا خرجت من بيتها اجتهد الشيطان لتحريضها على الفتنة ولتتزيينها للرجال ولو كانت دميمة الخلقة، ولذلك روى مسلم عن جابر رضي الله عنه((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة ،فأتى امرأته زينب وهي تمعَسُ منيئةً لها فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال : إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد مافي نفسه))
قال النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): (( قال العلماء: معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن ومايتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة ، وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها،و الإعراض عنها مطلقا))، إذا فإذا كانت المرأة متحجبة الحجاب الشرعي فقد قطعت على الشيطان سبيله إلى غواية بني آدم مرتين: مرة بحفظ نفسها، وأخرى بإعانتها الرجل على العفاف.
ومن كيد الشيطان للمرأة أنه كلما رآها خارج بيتها اجتهد لإغوائها والإغواء بها، فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) رواه الترميذي وصححه الألباني، قال الطيبي( والمعنى المتبادر أنها مادامتفي خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس، فإذا خرجت طمع وأطمع، لأنها حبائله وأعظم فخوخه)).
وقد قيل:
إن الرجال الناظرين إلى النساء مثل الشباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أُكلـــت بلا عوض ولاأثمــــان
ولهذا أخبر الله تعالى أن المرأة كلما صانت نفسها عن نظر الرجال إليها كان ذلك أدعى لطهارة قلبها وطهارة قلوب الرجال، فقال: » وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" [الأحزاب:53].
ومن التناقضات الواضحة أن أكثر المتهاونات في الحجاب يعتذرن بأن إصلاح الباطن أولى من إصلاح الظاهر بالحجاب، وأن العبرة في جمال القلوب وصفائها لاجمال الوجوه والثياب! بينما تجلس إحداهن أمام المرآة أوقاتا طويلة لاتفارقها حتى تشبع نهمتها الظاهرة بمواد التجميل والتدليس! فأين هو قولها: العبرة بجمال القلوب؟! ولقد وجدنا كل من يرفض إصلاح ظاهره بماأمرت به الشريعة متذرعا بهذه الذريعة الكاذبة أكثر الناس غلوّا في الاعتناء بشهوة الثياب والجمال الظاهري، مما يفصح عن خبايا أنفسهم، وأن هذا التنافر بين أقوالهم وأفعالهم ماهوإلا دليل صارخ على أنهم اختفوا خلف إصلاح بواطنهم تنصلا من الأحكام الشرعية الظاهرة، والتنصل من أحكام الشريعة أمارة واضحة على فساد قلوبهم، فأين الدعاوى من الحقائق؟!
اللباس نعمة
خلق الله آدم في أحسن تقوسم وزينه بأكمل زينة ولم يكن له في جسمه عورة بادية، فلما أكل هو وزوجته من الشجرة التي نهاهما عنها ربهما انكشفت عوراتهما، فاحتاجا حينئذ إلى ستر، وكذلك تفعل الذنوب، قال الله تعالى: »فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ "[الأعراف:22].
إن اللباس نعمة من نعم الله، قال الله تعالى: » يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [ الأعراف: 26]، وقال: »
وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ " [النحل: 80_81 ]
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله على الثوب الجديد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداءا، ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ماصنع له، وأعوذ بك من شره وشر ماصنع له)) رواه أبو داود والترميذي بسند صحيح
وكما أن الإنسان لايأكل مما يشتهيه من الطعام إلا ماأحله الله له، فإنه لايلبس مما يشتهيه من اللباس إلا ماأحله الله له، وذلك من تمام العبودية لله، لأنه من يوم عرف الإسلام وعرف أنه عبد لرب عظيم فهو مستسلم له مجند لطاعته في كل صغيرة وكبيرة، وقد روى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر قال(دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلي إزار يتقعقع، فقال: من هذا؟ فقلت: عبد الله بن عمر، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك، فرفعت إزاري إلى نصف الساقين، فلم تزل إزرته حتى مات)).
وهكذا المرأة المسلمة فهي تحمد الله الذي أباح لها من اللباس الجميل مالايحصى ولايعد، وتحمده أيضا أن صانها في لباسها وصان لها كرامتها من أن يهدرها لها المستغلون لجمالها وجمال لباسها والمعتمدون على ضعفها تجاه مغريات الأزياء، فلاتلبس إلا ماطاب لبسه في شريعة ربها، وكما أنها لم تخرج من بطن أمها إلا بإذن ربها قدرا، فهي لاتخرج من بيت عزها إلا بإذن ربها شرعا، لأنها تعلم أن الأصل فيها أن تعمل بقول ربها سبحانه وتعالى: »وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى " [الأحزاب:33]، فإذا أرادت أن تخرج لحاجتها تعرفت على الحجاب الشرعي وألزمت نفسها به كي لاتضيع نعمة الله عليها في ذلك ولاتقع في سخط ربها من أجل خرقة تعظمها نفسها الطماعة ويوسوس لها فيها الشيطان كي تعاند ربها فيها فلا تلبسها كما امر سبحانه وتعالى، ولو كانت المتبرجة عاقلة لما عاندت ربها في قطعة قماش أمرت بها، فما أضعف الإنسان وماأبعده عن عقل مصلحته!
فضـــل التســــتر
ستر المرء عورته مطلب خلقي عظيم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يستر عورته، بل كان يجعله من دعائه بالصباح والمساء لايدعه أبدا، كما روى ابن ماجه بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه يقول: » لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)).
وملازمة المرأة الستر دليل على الحياء، والحياء خلق عظيم، لأنه من شعب الإيمان، ولذلك فإنهما يردان_أي الستر والحياء_مجتمعين، فقد روى أبو داود_وصححه الألباني_عن يعلَى رضي الله عنه((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبَراز بلاإزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حيِي ستِّير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر"، ولهذا روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: » إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لايُرى من جلده شيء استحياء منه، فأذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: مايستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده،إما برص، وإما أدرة، وإما آفة! وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول:ثوبي حجرُ! ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملاء من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ماخلق الله وأبرأه مما يقولون، وفام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله! إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا " [الأحزاب:69] »، فلتتأمل المؤمنة اجتماع الحياء مع الستر كي تكون من أهل الحياء والستر، والله الموفق.
والرجل الحيي تحبه الملائكة وتستحي منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كاشفا عن بعض جسده الشريف فلما دخل عليه عثمان رضي الله عنه ستره، فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك قال: » ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! » رواه البخاري ومسلم، وهذه منقبة عظيمة لهذا الرجل العظيم، حصّل عليها لما اكتسى بخلق الحياء وحب التستر، فأي امرأة لاتحب أن تحصّل على استحياء الملائكة منها؟!
وإذا كانت الملائكة تحب الحياء فإن الشيطان على العكس من ذلك، قال الله تعالى: » يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا " [الأعراف:27]، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي(وبهذا تعرفون أن كشف العورة مقصد أصيل عريق من مقاصد إبليس ليهين بها كرامة النوع الآدمي، وإهانة كرامتهم تسره وتقر عينه لعداوته لهم، ولم يزل إبليس يحاول إهانة بني آدم بكشف العورة وإبداء السوأة حتى بلغ غايته من ذلك,,, وله مع ذلك قصد آخر وهو أن انكشاف عورتها يدعو إلى الفاحشة)).
ولايخفى على أحد أن الشيء النفيس مطلوب، والشيء المطلوب يصان عن أيدي الناس لئلا يمتهن، والمرأة هي كذاك الشيء النفيس، فهي درّة يجب أن تحفظ، وإذا رأيت الناس لايعبأون بحفظها فاعلم أنهم لا يعرفون قيمتها أو أنهم يدركون ضعفها العقلي مع عدم تمسكها أمام الشهوات فيرغبون في استغلالها بعرضها بكامل زينتها هنا وهناك، والتستر الذي جعله الله للمرأة نوعان: تستر بالثياب كما مر، وتستر بالبيوت، كما قال الله تعالى: » وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى " [الأحزاب:33]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: »لاتمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن" رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح، ولذلك يجمع الله بين نعمتي الستر بالبيوت والستر بالثياب في الموضع الواحد من كتابه كما في الآية السابقة، فقدأمر الله النساء بالقرار في البيوت كما نهاهن عن التبرج، وهذا الوصف الأخير يطلق على المرأة الخرّاجة الولاّجة كما يطلق على ذات اللباس المتبرج كما يأتي، وأمرُه هذا لهن من نعم الله على المرأة، حيث يسترها في بيتها كالملكة ويؤمر الرجل بأن يكدح خارج بيته ليوفر لها حاجتها، ويسترها في ثيابها سترا تاما إثباتا لنفاستها وحفظا لكرامتها.
وقد رغّب الله عز وجل النساء في المحافظة على الحجاب الكامل ولو كن معذورات بكبر سن وعدم رغبة الرجال فيهن عادة، فقال: »وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [النور::60].
وقد ضرب نساء السلف المُثُل العليا في الحياء والمبالغة في التستر، فمن تطبيقات الصالحات من النساء القواعد للآية السابقة وحسن استجابتهن لله عز وجل فيها المحافظة على جلابيبهن كاملة من أن الله رخص لهن في وضعها كما فسره بذلك ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه أبو داود عنه بإسناد حسن، قال عاصم الأحْول(كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا وتنقبت به،فنقول لها: رحمك الله، قال الله تعالى: »وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ" هو الجلباب، قال فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: »وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ"، فتقول: هو إثبات الجلباب)) أخرجه البيهقي(93/7) وهو صحيح.
وإذا تقدمتَ إلى الطبقة العليا من النساء رأيت عجبا، فقد كانت الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها تدخل بيتها الذي دفن فيه زوجها صلى الله عليه وسلم وأبوها رضي الله عنه، فلما دفن عمر رضي الله عنها بجنبهما امتنعت من دخول بيتها إلا وهي مستورة، روى أحمد والحاكم بإسناد صحيح عنها رضي الله عنها قالت:: » كنت أدخل بيت يالذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، وأضع ثوبي وأقول:إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم_فوالله!_مادخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه))،وهذا الخلق قمة في الحياء كما ترى! وليس في هذا تنطع أو غلو ومعاذ الله أن يتجرأ مسلم على مقام أمهات المؤمنين، وإنما هي النفس المؤمنة التي نبتت على الفضائل لا تطاوع صاحبها على فعل المباح فكيف بمواقعة الرذائل؟!
وسبب هذا هو أن تعويد البنت على الحياء يحييها على خلق العفاف في كل حال، قد كانت الطيبة الطاهرة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدة الهم لكيفية تكفينها خشية أن يكون وضع الكفن وحده على جسدها سببا في تحجيم جسمها على الرغم من أن ذلك لايكون إلا بعد الموت وليس يضر الشاة سلخها بعد موتها كما قيل، ولم تهدأ إلا حين أٌخبِرت بأنه يمكن أن يجعل تحت الكفن شيء يمنع لصوقه بجسدها، روى البيهقي وأبو نعيم عن أم جعفر أن فاطمة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت( يا أسماء! إني قد استقبحت مايصنع بالنساء أن يطرح على المرأة ثوب فيصفها، فقالت أسماء: ياابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة:ماأحسن هذا وأجمله! تُعرف به المرأة من الرجل، فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد، فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهما))، هذه صيانتها لعرضها بعد الموت فكيف وهي حية؟! إنها لحياة الوجه بماء الحياء يسقيه الإيمان بوابله، قال الشيخ الألباني في ((الجلباب))(فانظر إلى فاطمة بضعة النبي صلى الله عليه وسلم كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة، فلاشك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح، فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر الاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة التي تصف نهودهن وخصورهن وألياتهن وسوقهن وغير ذلك من أعضائهن، ثم ليستغفرن الله تعالى ولتبين إليه وليذكرن قوله صلى الله عليه وسلم(الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)) رواه الحاكم وصححه الذهبي والألباني.
وقد كانت المرأة وهي مريضة يأتيها الصرع حتى تسقط وتتكشف، وكان من قوة إيمانها وحرصها على عفتها أن لم يبق لها من هم سوى ألاّ تتكشف، مع أنها غير محاسبة على ذلك والقلم عنها مرفوع، ولذلك كانت توصف بأنها امرأة من أهل الجنة، روى البخاري ومسلم عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما( ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت:بلى، قال:هذه المرأة السوداء أتتِ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وأتكشف فادع الله لي، قال(إن شئت صبرت ولك الجنة،وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت:أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لاأتكشف، فدعا لها))، فرضيت في سبيل الله بالصبر على مرضها الذي يؤذيها لحد الصرع، ولم ترض بالتكشف، لأن المرأة الصالحة حريصة على الستر، فأين أولئك النساء الائي يعرضن مفاتنهن على الصحف والمجلات والإعلانات وغيرها ويبعنها بدريهمات معدودات لأيام معدودات يعشنها ثم بعدها النار وبئس القرار؟!
ومن مبالغات الصالحات في الستر مارواه البخاري بإسناده عن الزهري قال( أخبرتني هند بنت الحارث عن أم سلمة قالت(استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من اليل وهو يقول : لاإله إلا الله! ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟! ماذا أنزل من الخزائن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها))، فكانت رحمها الله تبالغ في ستر أصابع يدها خوفا من الوعيد الوارد في الحديث بشأن العاريات، وقال مجاهد رحمه الله( كانت المرأة من النساء الأولى تتخذ لكُمِّ درعها أزرارا تجعله في إصبعها تغطي به الخاتم)) رواه أبو يعلى بإسناد صححه الأالباني في ((جلباب المرأة المسلمة))
العجب العجاب في أشكال الحجاب
ظل حجاب المرأة المسلمة طيلة القرون الماضية كلها في كل البلاد الإسلامية على شكل واحد لايكاد يختلف، فهو عبارة عن ثلاث قطع: الدرع الذي تستر به المرأة جسمها من الكتفين إلى أسفل، والخمار الذي تستر به رأسها، وفوقهما الجلباب الذي تستر به جسمها كله من الرأس إلى القدمين، وهو اللباس الذي يسمى عباءة في بعض المجتمعات أو حجابا في أخرى أو ملاءة عند آخرين أو رداء أو إزارا أو لحافا أو (حايك) كما في بلدان المغرب، وكله على صفة واحدة فهو قطعة واحدة تشمل الجسم كله وكونه يشبه بعضه بعضا دليل على تأصيل شكله المتداول بين الناس على اختلاف أمصارهم وتباعدها واختلاف أزمنتهم وتقادمها، لاسيما على مر القرون المتتابعة، حتى في البلاد المبتدعة التي يسمى عندها (تشادور)، ثم ظهر الربع الأول من هذا القرن أشكال جديدة وتفصيلات غريبة، كل واحد منها يدعى أنه حجاب لكن لا شبه بينها، فظهر منها عباءات وأحجبة مزخرفة وملونة لاتغض عنهن الأبصار، لأنها تسر الناظرين! وبعضها لونها واحد، لكنها براقة تغر الناظرين...! ومنهن من لباسهن كله ألوان من القرن إلى القدمين!! ومنهن من عليها جلباب كالبرج، أكمامه كالخرج، إذا رفعت يدها بان ذراعها، تشعر به أو لاتشعر، فقد مات إحساسها!
وبرز منها ما ينزل من الرأس إلى الخصر، وماينزل من الرأس إلى أنصاف الفخذين، وماينزل من الكتفين إلى الخصر ويجعل قطعتين، وماينزل من الكتفين إلى القدمين، وماينزل من الكتفين ويتمم بسراويل تسمى بلغة الغزو الغربي (بنطلون)، وقد يتمم هذا (الحجاب!!) بسراويل لاصقة بالجسم ذِكرها يغني عن وصفها، بل وبرز شكل من التحجب يستدعي التعجب، ألا وهو ألا تحجب المرأة من جسمها سوى الشعر وعلى باقي الجسد ثياب لاصقة:قميص بأعلاه و(بنطلون) بأسفله حجّما جسمها كله، ماكنت_أيها القارئ!_ لتتصور مسلمة ترتديه لو لا أن كاتب هذه الأسطر رآه بعيني رأسه في بعض البلاد الإسلامية، والإرب أن صاحبته تزعم أنها محجبة وبنت الأصل!! وقد تزيده فتنة حين تخرج به متزينة كأنها في وليمة عرس!
ومما لايتناهى منه العجب أنه بلغني أن إحدى المؤسسات جعلت (للمحجبات!!) قناة لعرض أزياء الحجاب وأي حجاب؟!! وليتها تعرض على جمادات أو جدُر، بل يعرضه بنات مسلمات بالغات في الفتنة مبلغها، لأنهن كاسيات عاريات، إن سترن شيئا من أجسادهن فتحجيم للأرادف والعكن، وصور يعشقها أصحاب العفن، وناهيك عن الألوان والزخارف التي تنادي من بعدي، إن جريمة هؤلاء كبيرة جدا، لأنهم ينسبون هذه الخلاعة إلى الدين، والدين منها بريء.
ومن العجائب أيضا أن البلاد الكافرة أصبحت تصدر بعض العباءات النسوية ذات الشكل المميز في التبرج، حرض بتطريزه الشباب والشيوخ على التفرج!! ومع ذلك ينخدع له المسلمات الغارقات في الانهزامية، المسارعة إلى الذوبان في أخلاق الجاهلية، حتى قيل: العباءة الفرنسية والعباءة الــ...! والله المستعان
هذا في عالم (المتحجبات!!) بكل أشكالهن، وأما من يعترفن بترك الحجاب من ذوات التبرج المكشوف فبم أعرج عليهن في هذا الفصل.
الجلباب الشرعي
ولا ريب أن ماكانت عليه المرأة قبل هذا الربع الأخير من الزمن هو اللباس الشرعي، فقد أمر الله المؤمنه بضرب الخمار على الجيب فقال: » وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ "[النور:31]، وقد دل هذا على أن الخمار لم يشرعه الله ليجعل فوق الجلباب كما يفعل بعضهن، ولكن تحته سترة للجيب وهو فتحتة الصدر من جهة العنق من الرأس، فعن الحارث ابن الغامدي قال: » قلت لأبي: ماهذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم، قال:فنزلنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل والإيمان به وهم يردون عليه ويؤذونه، حتى انتصف النهار وانصدع عنه الناس، وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تحمل قدحا ومنديلا، فتناوله منها وشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه وقال: يابنيّة! خمري عليك نحرك، ولاتخافي على أبيك، قلنا :منهذه؟ قالوا:زينب بنته)) أخرجه الطبراني وهو صحيح.
ومما يدل على أن الخمار لايكون فوق الجلباب وإنما يلاصق نحر المرأة بحيث أنها لو خلعته لبرز عنقها,
مارواه مسلم أن عائشة رضي الله عنها لمّا أخذها أخوها عبد الرحمان لعمرتها من التنعيم قالت(فأردفني خلفه على جمل له، قالت:: فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضربُ رجلي بعِلّة الراحلة، قلت له: وهل ترى من أحد...؟!)) ومعناه أنها لما كانت وحدها كشفت بعض خمارها فجعل أخوها يضرب رجلها بعود غيرة عليها أن يظهر عنقها لأجنبي.
وتلبس المرأة درعا تحت جلبابها يمنع وصف جسمها وتحجيمه، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال( كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبطيّة كثيفة كانت مما اهداها دِحية الاكرمك اللهيّ، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك لم تلبس القبطية؟قالت: يارسول الله! كسوتها امرأتي، فقل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرها فلتجعل تحتها غلالة، إني أخاف أن تصف حجم عظامها)) رواه أحمد وهو حسن.
وتلبس المرأة إذا خرجت فوق ذلك جلبابا يشمل جسمها كله، قال الله تعالى: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [الأحزاب:59]
الجلباب ينزل من الرأس لا من الكتفين:*
أما كونه يُلبس من فوق أي: ينزل من الرأس لاالكتفين فدليله قوله عز وجل من هذه الآية: »يدنين عليهن من جلابيبهن" ، لأن كلمة (على) تدل على الفوقية، قال سعيد بن جبير رحمه الله: »لايحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت بها رها رأسها ونحرها)).
الجلباب ماشمل الجسم:*
وأما كون الجلباب يشمل الجسم فيدل عليه لفظه اللغوي الذي جاء به القرآن"جلابيبهن"، قال ابن عباس: »الجلباب الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل)) نقله عنه القاسمي في ((محاسن التأويل)) عند هذه الآية، وكذلك الألوسي في ((تفسيره))، وقال ابن حزم في ((المحلي))(والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ماغطى جميع الجسم لابعضه)).
وقال البغوي في ((معالم التنزيل)): ((وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الردع والخمار))، وقال القرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن))(والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن)).
وينبغي التنبه لوجوب تغطية المرأة قدميها، وأنهما من الجسم الذي يجب أن يعمه الجلباب، والدليل على ذلك مارواه ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة:فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: فيرخينه ذراعا ولا يزدن عليه)) رواه الترميذي وصححه الألباني ، ورواه البيهقي وقال(وفي هذا دليل على وجوب ستر المرأة قدميها))،بل لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مافي التكشف من تنجس خلقي فعفا عن بعض النجاسة المادية بالنظر إلى النجاسة المعنوية الخلقية، فجوّز للمرأة أن تمر بذيل جلبابها على الأرض النجسة الذي يطهر بعض الشيء بالمرور بعدها على الأرض الطاهرة، فعن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت( إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره مابعده)) رواه أبو داود وصححه الألباني.
لاتخرج المرأة إلا بجلباب:
وأما كون المرأة لا تخرج من بيتها إلا بجلباب فلقوله تعالى في تعليل حكمه: « ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ" ،ولاريب أن حاجتها إلى تحقيق هاتين العلتين أي تُعرف بعفتها وأن لاتؤذى تكون غالبا حال بروزها خارج بيتها، ويؤيد هذا الحكم بوضوح حديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد أمرهن بالجلباب، فعن أم عطية قالت( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن خيرها ودعوة المسلمين، قلت: يارسول! إحدانا لايكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها)) رواه البخاري ومسلم، فلم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي ليس لها جلباب أن تخرج إلا به ولو بأن تستعيره، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه))(فيؤخذ من هذا الحديث أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لاتخرج المرأة إلا بجلباب، فلم يأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب درءا للفتنة وحماية لهن من أسباب الفساد وتطهيرا لقلوب الجميع ، مع أنهن يعشن في خير القرون، ورجاله ونساؤه من أهل الإيمان من أبعد الناس عن التهم والرّيب))، ومن هذا الحديث يظهر حكم لبس الجلباب جليا.
حكم لبس الجلباب:
لقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يأمر جميع نساء المؤمنين بارتداء الجلباب الذي سبق وصفه والتعريف به، فقال: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ " ، والأمر عند المحققين يفيد الوجوب، ويؤيده أن الله أباح للعجائز ترك الجلباب فقال: »وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60]، وفسر ابن عباس وضع الثياب بالجلباب رواه البيهقي وصححه الألباني في ((جلباب المرأة المسلمة))، وهذا ترخيص، والترخيص لايكون إلا عن ترك واجب، لأنه لو لم يكن في أصله واجبا لم يحتج إلى ترخيص.
وقد دل حديث أم عطية المذكور آخرا على وجوب ارتداء المؤمنة الجلباب أمام غير المحارم، لأنه لم يرخص صلى الله عليه وسلم لمن ليس لها جلباب أن تخرج بدونه، بل أمرها أن تستعيره من أختها، فأي عذر بقي للائي يخرجن من بيوتهن بدرع وخمار فقط والجلابيب متوفرة؟! « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " [الأنفال:24]
عسى الله أن تكون سببا في استيقاظ فتاة من فتيات التوحيد من غفلتها أو تغافلها..
بسم الله الرحمان الرحيم
المقدمة
الحمد لله، وصلّى الله وسلم وبارك على من لانبي بعده، وعلى آله وصحبه.
وبعد، فهذه كلمات وعظيّة مختصرة عن خلق السِّتر والحجاب، أقدِّمها نصيحة لبنات آدم لما رأيت غفلة الكثيرات عن ذلك ، ولمّا أيقنت أن إيقاظ إيمانهن بهدي الكتاب والسنة أنفع لأهل الإيمان من أي مؤثر "آخر فقد ركزت فيه على الكتاب والسنة ، لأن الله عز وجل قال: » وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِين" [الذاريات:55]، وقال: »فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ "[ق:45]، ثم تنفلتُ بذكر آثار عن السلف الصالح، لأنها التطبيقات الموثوقة الصحيحة لتلك النصوص
ولقدانفرد جيل هذا الزمن المتأخر بظهور شر عظيم فيه من قِبل النساء إلا ماشاء الله ، بعد أن ظلّت المرأة المسلمة قرونا متتابعة مستورة الجسد في الجملة، بل وفي كثير من مجتمعات أهل الكتاب كان_إلى عهدٍ قريبٍ_ لايَكاد يُرى من نسائها إلا الوجه، وقد كانت الكثيرات منهن يرتدين برقعا خفيفا على وجوههنّ،، لأن هذا كان من بقايا الأخلاق الفاضلة الموروثة من المجتمعات النبوية الغابرة
ثم ظهرت في المجتمعات الغربية نكسة أخلاقية لم يُعرف لها مثيل في تاريخ البشرية، أورثتها جوعة جنسية حولتهم إلى أشباه الحيوانات بلغوا فيها حدا من الجهر بالفواحش لم يُعهد ولافي العصر الروماني الوسخ، انجلت حضارتهم عن أسوأ الفضائح، ذاك هو جَنَى القبائح، ومما زاد الطين بلة والمرض علة ظهور النساء على القنوات الفضائية، ثم انتهى الأمر إلى المواقع العنكبوتية(الانترنت) التي سهلت لكل من فيقلبه مرض أن يتصل بالجنس الآخر في مكالمات رخيصة خبيثة، ومنها دخل الشيطان كثيرا من البيوت المؤمنة، فحول صالحيها رجالا ونساءا إلى مدمني شهوات حتى استُنكر خُلق الحياء والعفة، بل صار النظر فيها إلى العورات المغلظة في متناول الصغار والكبار!!
ولاريب أن أول شيء دخله الفساد هو المرأة، وإذا فسدت المرأة فلاتسأل عن فساد مجتمعها، وأسرع شيء منها يدخله الفساد هو لباسها، فيبدأ الأمر في ذلك في الغرب الكافر ثم تتأثرالمجتمعات الإسلامية بصيحاته العفنة في أزياء الموضة، ظانين أنهم لايتحضّرون إلا بأن يتفسخوا أخلاقيا كتفسخه وأن يتعرّوا كتعريه، وإنك لتدخل بعض البلاد المسلمة فلاتكاد تفرق في الظاهر بين مسلمة وكافرة إلا بالاسم! بل كل لباس فاضح تراه في بلاد الغرب فإن تصوره في بلاد الإسلام اليوم لايحول دونه شيء، فقد بلغت المسلمة من ضعف الإيمان مايبعثُها تقلِّد الكافرة بلاقيود ولاحدود، فيالضعف الولاء والبراء!ومن المتناقضات أن الله تعالى أمر النساء بجر ذيولهن فرفعنا! ونهى الرجال عن جر ثيابهم فجروها! فعن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من جرّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة: فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: فيرخينه ذراعا لايزدن عليه" رواه الترميذي وصححه الألباني، فيا غربة هذا الحديث في ديار المسلمين! فقد عكس عصيانا تارة، وجهلا أخرى، فرفعت المرأة ثيابها حتى ظهر منها مايجب ستره، وأما الرجل فقد أخذ أمر الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء وطبقه على نفسه، والعجب أن الشيطان أرى الشيء الواحد جمالا لأحدهما ودماثة للآخر، فأقنع الرجل بأن جمال ثيابه في تطويلها وجرِّها! وأقنع المرأة بأن جمال ثيابها في تقصيرها وكرّه إليها جرها كما كره إليها طهرها وعفافها!
لقد تغير اليوم حال النسوان، وحصل في بلاد الإسلام أمور تشيب لها مفارق الولدان، قالت بنت الصديق عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: »((لو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى النساء اليوم نهاهن عن الخروج أو حرم عليهن الخروج))، هذا في زمانها، فكيف لو رأت بنات زماننا؟! وإنا لله!
وقد كنت كتبت كتابا لطيفا في هذه المعاني سميته(العجب العجاب في أشكال الحجاب))،ثم رغب إلي بعض الإخوان أن أزيده اختصارا على لطافته، فأجبتهم إلى ذلك على أمل تسهيله، وعلى هذا فماكان في المهذَّب من اختصار في الشرح والتخريج والإحالات روجع له أصله، والله ولي التوفيق
ميل الرجل إلى المرأة وميل المرأة إلى الرجل
جبل الله تعالى الرجال على الميل غلى النساء، وجبل النساء على الميل إلى الرجال ليكون بينهما النسل البشري، ولذلك سرعان ماتنشأ بينهما مودة ولو كانت في الحرام، لكن إنما يبارك الله في العلاقة الحلال فيجعل بينهما مودة عظيمة ودائمة ولو لم يسبق بينهما تعارف، قال تعالى: »وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الروم:21].
ولعل الجاذبية التي بينهما تعد أكبر متطلبات النفس الشهوانية، قال الله عز وجل: »زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ " [آل عمران:14]، روى عبد الملك بن حبيب في ((أدب النساء)) أن عائشة رضي الله عنهاكانت تقول(من شقاوتنا أن الله تعالى جعلنا رأس الشهوات وبدأ بنا في ذكرها))، ثم تتلو هذه الآية، قال العَيني في (عمدة القارئ)(وفتنتهن أشد الفتن وأعظمها، ويشهد له قوله عز وجل: »زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ "، فقدمهن على جميع الشهوات، لأن المحنة بهن أعظم المحن على قدر الفتنة بهن، وقد أخبر الله عز وجل أن منهن لنا أعداء، فقال: » إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ [التغابن:14]))، وفي( فتح الباري) لابن حجر(وأشر مافيهن عدم الاستغناء عنهن،ومع أنها ناقصة العقل والدين تحمل الرجل على تعاطي مافيه نقص العقل والدين، كشغله عن طلب أمور الدين وحمله على التهالك على طلب الدنيا، وذلك أشد الفساد، وقد أخرج مسلم من حديث أبي سعيدفي أثناء حديث: » واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم: »ومارأيت من ناقصات عقل ودين أغلَبَ لذي لبٍّ منكن" وقوله صلى الله عليه وسلم: »ماتركت فتنة بعدي أضرَّ على الرجال من النساء" رواهما البخاري ومسلم، وروى أصحاب((السنن)) عن ابن عباس قال(كانت امرأة تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم حسناء من أجمل النساء، فكان الناس يصلون في آخر صفوف الرجال فينظرون إليها، فكانأحدهم ينظر إليها من تحت إبطه إذا ركع، وكان أحدهم يتقدم إلى الصف الأول حتى لايراها، فأنزل الله عز وجل هذه الآية: »وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ " [الحجر 24]))، صححه الشيخ الألباني في(الصحيحة)، كل هذا يشهد لقول أبي صالح مولى أم هانئ(بلغني أن أكثر ذنوب أهل الجنة في النساء)) رواه ابن أبي شيبة، وروى أبو نعيم عن سعيد بن المسيب رحمه الله أنه قال( قد بلغت ثمانين سنة وماشيء أخوف عندي من النساء))، وروى عنه أيضا أنه قال(ما أيس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساء)).
وبهذا الضعف الذي يكون في الرجل تجاه المرأة فسِّر قوله تعالى: »وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا " [النساء:28]، فقد روى عبد الرزاق في (تفسيره) وابن أبي حاتم أيضا في (تفسيره) عند هذه الآية بإسنادين أحدهما صحيح عن طاووس قال(في شأن النساء، أي لا يصبر عنهن))،وقال وكيع( يذهب عقله عندهن))، وقد أورد ابن تيمية أثر طاووس كما في (مجموع الفتاوى) وقال(فميل النفس إلى النساء عام في طبع جميع بني آدم)).
وليُعلم أنه لايُذم الرجل إذا كان شبقا قوي الشهوة إلا إذا كان لا يصبر فيقع فيما حرم الله، أما إذا كان يصرف ذلك فيما أحل الله سبحانه وتعالى فلا عيب عليه بل هو دليل مدح، لأنه من جهة الطبع البشري أكمل في الرجولة، وهو أكمل أيضا من جهة الشرع، وفيه بحث طويل، لكن يكفي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منه الحظ الأوفر، روى البخاري عن أنس ابن مالك قال(كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من اليل والنهار وهن إحدى عشْرة، قال قتادة قلتُ لأنس أوَ كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثيتن)) فلولا أنه مكرمة ماكان الله ليخصه به ولذلك روى الطبراني بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه قال( لقد أعطيتُ منه شيئا ماأعلمُ أحدا أعطيه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني الجماع))، وكثير من الناس يعتقد أن هذا يتنافى مع خلق العفاف والتنزه عن الشهوات، وهذا من آثار الرهبانية النصرانية التي أنكرها الله عليهم جين ابتدعوها، كما قال : » وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوها ماكَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَاْ [الحديد 27]، بل إذا اجتمع في المرء قوة هذه الرغبة مع قوة التنزه عنها إلا في الحلال كان أعظم في الأجر، لأنه دليل على قوة الإيمان ، كما حصل ليوسف صلى الله عليه وسلم راجع((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (740/10).
ومن طرائف حكايات أهل الشبق مارواه الطبراني عن محمد ابن سيرين قال(ربما أفطر ابن عمر على الجماع)) وإسناده صحيح، الهيثم ابن خلف وثقه الدارقطني في ((أطراف الغرائب والأفراد)) ومارواه أبو القاسم البغوي في (مسنده) ومن طريقة البيهقي بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير((أن رجلا أتى امرأته في عمرة، فقالت: إني لم أقصر(أي الشعر)، فجعل يقرض شعرها بأسنانه، قال:إنه لشبق! يُهريق دما))، وروى ابن حبيب في كتاب ((أدب النساء)) عن يونس بن عُبيد قال(صحبت الحسن البصري ثلاثين سنة، فما سمعته قط قال: عُزلَ أمير ولاوُلِّيَ ، ولاغلا سعر ولا رخص سعر، ولااشتد حر، وماكان ذكره إلا: الموت جاءكم، حتى أتته امرأة يوما ناهيك عن امرأة جمالا وشبابا وشحما ولحما ترتجّ يدفع بعضها بعضا! فترامت جالسة بين يديه ثم قالت: ياشيخ! أيحل للرجل أن يتزوج على امرأته وهي شابة جميلة ولود؟ قال:نعم! أحل الله له أن يتزوج أربعا، قالت:سبحان الله! قال: نعم! قالت: بعيشك لاتخبر بذلك الرجال! ثم قامت منصرفة، فأتبعها الحسن البصري ببصره، ثم قال: ماضرّ امرءا كانت هذه عنده مافاته من دنياه شيء!))، وفيه أيضا عن الحكم بن عتيبة((أن شيخا تزوج شابة فضمته إليها فقدت صدره! فرُفعت إلى علي بن أبي طالب، فقال: إنها لشبقة))!
وقد عقدت هذا الفصل قبل الدخول إلى موضوع الحجاب لنذكِّر القارئ بما فطر الله عليه الرجال والنساء، حتى يبعد كل واحد من الآخر ولايغالط نفسه بادِّعاء الثبات عند الاختلاط أو ادعاء الرجل أنه لا يغيره شيء حتى لو كانت المرأة بغير حجاب! وليوقن كل امرئ حكمة الله سبحانه وتعالى في إيجاب الحجاب، وأن هذا الدين لاينطلق من المثاليات التي لاواقع لها ولمّا كانت المرأة بهذه المثابة من الجاذبية للرجل أمرها الله باتخاذ بعض الأسباب الوقائية، ومن هذه الأسباب لُبس جلباب يستر محاسن جسمها التي لا صبر للرجال على النظر إليها، فقال: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [الأحزاب:59]، فما أعظم هذه الشريعة وماأصدق ملاءمتها للطبيعة البشرية!
الحكمة من لبس الحجاب
قد علمنا أن النساء فتنة للرجال، وأن صبر هؤلاء عليهن قليل، فلنعلم أن الله الذي خلق الذكر والأنثى أمر الأنثى بالحتجاب أمام الرجال الأجانب لئلا تتعرض للإيذاء، ولئلا تعرض الرجال للفتنة فيقعوا في سخط الله، ولنعلم أيضا أن المرأة إذا خرجت من بيتها اجتهد الشيطان لتحريضها على الفتنة ولتتزيينها للرجال ولو كانت دميمة الخلقة، ولذلك روى مسلم عن جابر رضي الله عنه((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة ،فأتى امرأته زينب وهي تمعَسُ منيئةً لها فقضى حاجته، ثم خرج إلى أصحابه فقال : إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله، فإن ذلك يرد مافي نفسه))
قال النووي رحمه الله في ((شرح مسلم)): (( قال العلماء: معناه الإشارة إلى الهوى والدعاء إلى الفتنة بها لما جعله الله تعالى في نفوس الرجال من الميل إلى النساء والالتذاذ بنظرهن ومايتعلق بهن، فهي شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بوسوسته وتزيينه له، ويستنبط من هذا أنه ينبغي لها ألا تخرج بين الرجال إلا لضرورة ، وأنه ينبغي للرجل الغض عن ثيابها،و الإعراض عنها مطلقا))، إذا فإذا كانت المرأة متحجبة الحجاب الشرعي فقد قطعت على الشيطان سبيله إلى غواية بني آدم مرتين: مرة بحفظ نفسها، وأخرى بإعانتها الرجل على العفاف.
ومن كيد الشيطان للمرأة أنه كلما رآها خارج بيتها اجتهد لإغوائها والإغواء بها، فعن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال( المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان)) رواه الترميذي وصححه الألباني، قال الطيبي( والمعنى المتبادر أنها مادامتفي خدرها لم يطمع الشيطان فيها وفي إغواء الناس، فإذا خرجت طمع وأطمع، لأنها حبائله وأعظم فخوخه)).
وقد قيل:
إن الرجال الناظرين إلى النساء مثل الشباع تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها أُكلـــت بلا عوض ولاأثمــــان
ولهذا أخبر الله تعالى أن المرأة كلما صانت نفسها عن نظر الرجال إليها كان ذلك أدعى لطهارة قلبها وطهارة قلوب الرجال، فقال: » وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ" [الأحزاب:53].
ومن التناقضات الواضحة أن أكثر المتهاونات في الحجاب يعتذرن بأن إصلاح الباطن أولى من إصلاح الظاهر بالحجاب، وأن العبرة في جمال القلوب وصفائها لاجمال الوجوه والثياب! بينما تجلس إحداهن أمام المرآة أوقاتا طويلة لاتفارقها حتى تشبع نهمتها الظاهرة بمواد التجميل والتدليس! فأين هو قولها: العبرة بجمال القلوب؟! ولقد وجدنا كل من يرفض إصلاح ظاهره بماأمرت به الشريعة متذرعا بهذه الذريعة الكاذبة أكثر الناس غلوّا في الاعتناء بشهوة الثياب والجمال الظاهري، مما يفصح عن خبايا أنفسهم، وأن هذا التنافر بين أقوالهم وأفعالهم ماهوإلا دليل صارخ على أنهم اختفوا خلف إصلاح بواطنهم تنصلا من الأحكام الشرعية الظاهرة، والتنصل من أحكام الشريعة أمارة واضحة على فساد قلوبهم، فأين الدعاوى من الحقائق؟!
اللباس نعمة
خلق الله آدم في أحسن تقوسم وزينه بأكمل زينة ولم يكن له في جسمه عورة بادية، فلما أكل هو وزوجته من الشجرة التي نهاهما عنها ربهما انكشفت عوراتهما، فاحتاجا حينئذ إلى ستر، وكذلك تفعل الذنوب، قال الله تعالى: »فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ "[الأعراف:22].
إن اللباس نعمة من نعم الله، قال الله تعالى: » يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْـزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ [ الأعراف: 26]، وقال: »
وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ " [النحل: 80_81 ]
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمد الله على الثوب الجديد، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوبا سماه باسمه عمامة أو قميصا أو رداءا، ثم يقول: اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ماصنع له، وأعوذ بك من شره وشر ماصنع له)) رواه أبو داود والترميذي بسند صحيح
وكما أن الإنسان لايأكل مما يشتهيه من الطعام إلا ماأحله الله له، فإنه لايلبس مما يشتهيه من اللباس إلا ماأحله الله له، وذلك من تمام العبودية لله، لأنه من يوم عرف الإسلام وعرف أنه عبد لرب عظيم فهو مستسلم له مجند لطاعته في كل صغيرة وكبيرة، وقد روى أحمد بإسناد صحيح عن ابن عمر قال(دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلي إزار يتقعقع، فقال: من هذا؟ فقلت: عبد الله بن عمر، قال: إن كنت عبد الله فارفع إزارك، فرفعت إزاري إلى نصف الساقين، فلم تزل إزرته حتى مات)).
وهكذا المرأة المسلمة فهي تحمد الله الذي أباح لها من اللباس الجميل مالايحصى ولايعد، وتحمده أيضا أن صانها في لباسها وصان لها كرامتها من أن يهدرها لها المستغلون لجمالها وجمال لباسها والمعتمدون على ضعفها تجاه مغريات الأزياء، فلاتلبس إلا ماطاب لبسه في شريعة ربها، وكما أنها لم تخرج من بطن أمها إلا بإذن ربها قدرا، فهي لاتخرج من بيت عزها إلا بإذن ربها شرعا، لأنها تعلم أن الأصل فيها أن تعمل بقول ربها سبحانه وتعالى: »وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى " [الأحزاب:33]، فإذا أرادت أن تخرج لحاجتها تعرفت على الحجاب الشرعي وألزمت نفسها به كي لاتضيع نعمة الله عليها في ذلك ولاتقع في سخط ربها من أجل خرقة تعظمها نفسها الطماعة ويوسوس لها فيها الشيطان كي تعاند ربها فيها فلا تلبسها كما امر سبحانه وتعالى، ولو كانت المتبرجة عاقلة لما عاندت ربها في قطعة قماش أمرت بها، فما أضعف الإنسان وماأبعده عن عقل مصلحته!
فضـــل التســــتر
ستر المرء عورته مطلب خلقي عظيم، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يستر عورته، بل كان يجعله من دعائه بالصباح والمساء لايدعه أبدا، كما روى ابن ماجه بإسناد صحيح عن ابن عمر رضي الله عنه يقول: » لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الدعوات حين يمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، اللهم أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي)).
وملازمة المرأة الستر دليل على الحياء، والحياء خلق عظيم، لأنه من شعب الإيمان، ولذلك فإنهما يردان_أي الستر والحياء_مجتمعين، فقد روى أبو داود_وصححه الألباني_عن يعلَى رضي الله عنه((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يغتسل بالبَراز بلاإزار، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل حيِي ستِّير يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر"، ولهذا روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى اله عليه وسلم: » إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لايُرى من جلده شيء استحياء منه، فأذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: مايستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده،إما برص، وإما أدرة، وإما آفة! وإن الله أراد أن يبرئه مما قالوا لموسى، فخلا يوما وحده فوضع ثيابه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلى ثيابه ليأخذها، وإن الحجر عدا بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول:ثوبي حجرُ! ثوبي حجر! حتى انتهى إلى ملاء من بني إسرائيل، فرأوه عريانا أحسن ماخلق الله وأبرأه مما يقولون، وفام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه، وطفق بالحجر ضربا بعصاه، فوالله! إن بالحجر لندبا من أثر ضربه ثلاثا أو أربعا أو خمسا، فذلك قوله: »يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا " [الأحزاب:69] »، فلتتأمل المؤمنة اجتماع الحياء مع الستر كي تكون من أهل الحياء والستر، والله الموفق.
والرجل الحيي تحبه الملائكة وتستحي منه، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما كاشفا عن بعض جسده الشريف فلما دخل عليه عثمان رضي الله عنه ستره، فسألته عائشة رضي الله عنها عن ذلك قال: » ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة؟! » رواه البخاري ومسلم، وهذه منقبة عظيمة لهذا الرجل العظيم، حصّل عليها لما اكتسى بخلق الحياء وحب التستر، فأي امرأة لاتحب أن تحصّل على استحياء الملائكة منها؟!
وإذا كانت الملائكة تحب الحياء فإن الشيطان على العكس من ذلك، قال الله تعالى: » يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْـزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا " [الأعراف:27]، قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي(وبهذا تعرفون أن كشف العورة مقصد أصيل عريق من مقاصد إبليس ليهين بها كرامة النوع الآدمي، وإهانة كرامتهم تسره وتقر عينه لعداوته لهم، ولم يزل إبليس يحاول إهانة بني آدم بكشف العورة وإبداء السوأة حتى بلغ غايته من ذلك,,, وله مع ذلك قصد آخر وهو أن انكشاف عورتها يدعو إلى الفاحشة)).
ولايخفى على أحد أن الشيء النفيس مطلوب، والشيء المطلوب يصان عن أيدي الناس لئلا يمتهن، والمرأة هي كذاك الشيء النفيس، فهي درّة يجب أن تحفظ، وإذا رأيت الناس لايعبأون بحفظها فاعلم أنهم لا يعرفون قيمتها أو أنهم يدركون ضعفها العقلي مع عدم تمسكها أمام الشهوات فيرغبون في استغلالها بعرضها بكامل زينتها هنا وهناك، والتستر الذي جعله الله للمرأة نوعان: تستر بالثياب كما مر، وتستر بالبيوت، كما قال الله تعالى: » وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى " [الأحزاب:33]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: »لاتمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن" رواه أحمد وأبو داود وهو صحيح، ولذلك يجمع الله بين نعمتي الستر بالبيوت والستر بالثياب في الموضع الواحد من كتابه كما في الآية السابقة، فقدأمر الله النساء بالقرار في البيوت كما نهاهن عن التبرج، وهذا الوصف الأخير يطلق على المرأة الخرّاجة الولاّجة كما يطلق على ذات اللباس المتبرج كما يأتي، وأمرُه هذا لهن من نعم الله على المرأة، حيث يسترها في بيتها كالملكة ويؤمر الرجل بأن يكدح خارج بيته ليوفر لها حاجتها، ويسترها في ثيابها سترا تاما إثباتا لنفاستها وحفظا لكرامتها.
وقد رغّب الله عز وجل النساء في المحافظة على الحجاب الكامل ولو كن معذورات بكبر سن وعدم رغبة الرجال فيهن عادة، فقال: »وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " [النور::60].
وقد ضرب نساء السلف المُثُل العليا في الحياء والمبالغة في التستر، فمن تطبيقات الصالحات من النساء القواعد للآية السابقة وحسن استجابتهن لله عز وجل فيها المحافظة على جلابيبهن كاملة من أن الله رخص لهن في وضعها كما فسره بذلك ابن عباس رضي الله عنهما فيما رواه أبو داود عنه بإسناد حسن، قال عاصم الأحْول(كنا ندخل على حفصة بنت سيرين وقد جعلت الجلباب هكذا وتنقبت به،فنقول لها: رحمك الله، قال الله تعالى: »وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ" هو الجلباب، قال فتقول لنا: أي شيء بعد ذلك؟ فنقول: »وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ"، فتقول: هو إثبات الجلباب)) أخرجه البيهقي(93/7) وهو صحيح.
وإذا تقدمتَ إلى الطبقة العليا من النساء رأيت عجبا، فقد كانت الصديقة بنت الصديق عائشة رضي الله عنها تدخل بيتها الذي دفن فيه زوجها صلى الله عليه وسلم وأبوها رضي الله عنه، فلما دفن عمر رضي الله عنها بجنبهما امتنعت من دخول بيتها إلا وهي مستورة، روى أحمد والحاكم بإسناد صحيح عنها رضي الله عنها قالت:: » كنت أدخل بيت يالذي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي، وأضع ثوبي وأقول:إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر معهم_فوالله!_مادخلت إلا وأنا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه))،وهذا الخلق قمة في الحياء كما ترى! وليس في هذا تنطع أو غلو ومعاذ الله أن يتجرأ مسلم على مقام أمهات المؤمنين، وإنما هي النفس المؤمنة التي نبتت على الفضائل لا تطاوع صاحبها على فعل المباح فكيف بمواقعة الرذائل؟!
وسبب هذا هو أن تعويد البنت على الحياء يحييها على خلق العفاف في كل حال، قد كانت الطيبة الطاهرة فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شديدة الهم لكيفية تكفينها خشية أن يكون وضع الكفن وحده على جسدها سببا في تحجيم جسمها على الرغم من أن ذلك لايكون إلا بعد الموت وليس يضر الشاة سلخها بعد موتها كما قيل، ولم تهدأ إلا حين أٌخبِرت بأنه يمكن أن يجعل تحت الكفن شيء يمنع لصوقه بجسدها، روى البيهقي وأبو نعيم عن أم جعفر أن فاطمة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت( يا أسماء! إني قد استقبحت مايصنع بالنساء أن يطرح على المرأة ثوب فيصفها، فقالت أسماء: ياابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم! ألا أريك شيئا رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنّتها ثم طرحت عليها ثوبا، فقالت فاطمة:ماأحسن هذا وأجمله! تُعرف به المرأة من الرجل، فإذا مت أنا فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد، فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهما))، هذه صيانتها لعرضها بعد الموت فكيف وهي حية؟! إنها لحياة الوجه بماء الحياء يسقيه الإيمان بوابله، قال الشيخ الألباني في ((الجلباب))(فانظر إلى فاطمة بضعة النبي صلى الله عليه وسلم كيف استقبحت أن يصف الثوب المرأة وهي ميتة، فلاشك أن وصفه إياها وهي حية أقبح وأقبح، فليتأمل في هذا مسلمات هذا العصر الاتي يلبسن من هذه الثياب الضيقة التي تصف نهودهن وخصورهن وألياتهن وسوقهن وغير ذلك من أعضائهن، ثم ليستغفرن الله تعالى ولتبين إليه وليذكرن قوله صلى الله عليه وسلم(الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)) رواه الحاكم وصححه الذهبي والألباني.
وقد كانت المرأة وهي مريضة يأتيها الصرع حتى تسقط وتتكشف، وكان من قوة إيمانها وحرصها على عفتها أن لم يبق لها من هم سوى ألاّ تتكشف، مع أنها غير محاسبة على ذلك والقلم عنها مرفوع، ولذلك كانت توصف بأنها امرأة من أهل الجنة، روى البخاري ومسلم عن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس رضي الله عنهما( ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت:بلى، قال:هذه المرأة السوداء أتتِ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وأتكشف فادع الله لي، قال(إن شئت صبرت ولك الجنة،وإن شئت دعوت الله أن يعافيك، فقالت:أصبر، فقالت: إني أتكشف فادع الله أن لاأتكشف، فدعا لها))، فرضيت في سبيل الله بالصبر على مرضها الذي يؤذيها لحد الصرع، ولم ترض بالتكشف، لأن المرأة الصالحة حريصة على الستر، فأين أولئك النساء الائي يعرضن مفاتنهن على الصحف والمجلات والإعلانات وغيرها ويبعنها بدريهمات معدودات لأيام معدودات يعشنها ثم بعدها النار وبئس القرار؟!
ومن مبالغات الصالحات في الستر مارواه البخاري بإسناده عن الزهري قال( أخبرتني هند بنت الحارث عن أم سلمة قالت(استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من اليل وهو يقول : لاإله إلا الله! ماذا أنزل الليلة من الفتنة؟! ماذا أنزل من الخزائن؟! من يوقظ صواحب الحجرات؟ كم من كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة، قال الزهري: وكانت هند لها أزرار في كميها بين أصابعها))، فكانت رحمها الله تبالغ في ستر أصابع يدها خوفا من الوعيد الوارد في الحديث بشأن العاريات، وقال مجاهد رحمه الله( كانت المرأة من النساء الأولى تتخذ لكُمِّ درعها أزرارا تجعله في إصبعها تغطي به الخاتم)) رواه أبو يعلى بإسناد صححه الأالباني في ((جلباب المرأة المسلمة))
العجب العجاب في أشكال الحجاب
ظل حجاب المرأة المسلمة طيلة القرون الماضية كلها في كل البلاد الإسلامية على شكل واحد لايكاد يختلف، فهو عبارة عن ثلاث قطع: الدرع الذي تستر به المرأة جسمها من الكتفين إلى أسفل، والخمار الذي تستر به رأسها، وفوقهما الجلباب الذي تستر به جسمها كله من الرأس إلى القدمين، وهو اللباس الذي يسمى عباءة في بعض المجتمعات أو حجابا في أخرى أو ملاءة عند آخرين أو رداء أو إزارا أو لحافا أو (حايك) كما في بلدان المغرب، وكله على صفة واحدة فهو قطعة واحدة تشمل الجسم كله وكونه يشبه بعضه بعضا دليل على تأصيل شكله المتداول بين الناس على اختلاف أمصارهم وتباعدها واختلاف أزمنتهم وتقادمها، لاسيما على مر القرون المتتابعة، حتى في البلاد المبتدعة التي يسمى عندها (تشادور)، ثم ظهر الربع الأول من هذا القرن أشكال جديدة وتفصيلات غريبة، كل واحد منها يدعى أنه حجاب لكن لا شبه بينها، فظهر منها عباءات وأحجبة مزخرفة وملونة لاتغض عنهن الأبصار، لأنها تسر الناظرين! وبعضها لونها واحد، لكنها براقة تغر الناظرين...! ومنهن من لباسهن كله ألوان من القرن إلى القدمين!! ومنهن من عليها جلباب كالبرج، أكمامه كالخرج، إذا رفعت يدها بان ذراعها، تشعر به أو لاتشعر، فقد مات إحساسها!
وبرز منها ما ينزل من الرأس إلى الخصر، وماينزل من الرأس إلى أنصاف الفخذين، وماينزل من الكتفين إلى الخصر ويجعل قطعتين، وماينزل من الكتفين إلى القدمين، وماينزل من الكتفين ويتمم بسراويل تسمى بلغة الغزو الغربي (بنطلون)، وقد يتمم هذا (الحجاب!!) بسراويل لاصقة بالجسم ذِكرها يغني عن وصفها، بل وبرز شكل من التحجب يستدعي التعجب، ألا وهو ألا تحجب المرأة من جسمها سوى الشعر وعلى باقي الجسد ثياب لاصقة:قميص بأعلاه و(بنطلون) بأسفله حجّما جسمها كله، ماكنت_أيها القارئ!_ لتتصور مسلمة ترتديه لو لا أن كاتب هذه الأسطر رآه بعيني رأسه في بعض البلاد الإسلامية، والإرب أن صاحبته تزعم أنها محجبة وبنت الأصل!! وقد تزيده فتنة حين تخرج به متزينة كأنها في وليمة عرس!
ومما لايتناهى منه العجب أنه بلغني أن إحدى المؤسسات جعلت (للمحجبات!!) قناة لعرض أزياء الحجاب وأي حجاب؟!! وليتها تعرض على جمادات أو جدُر، بل يعرضه بنات مسلمات بالغات في الفتنة مبلغها، لأنهن كاسيات عاريات، إن سترن شيئا من أجسادهن فتحجيم للأرادف والعكن، وصور يعشقها أصحاب العفن، وناهيك عن الألوان والزخارف التي تنادي من بعدي، إن جريمة هؤلاء كبيرة جدا، لأنهم ينسبون هذه الخلاعة إلى الدين، والدين منها بريء.
ومن العجائب أيضا أن البلاد الكافرة أصبحت تصدر بعض العباءات النسوية ذات الشكل المميز في التبرج، حرض بتطريزه الشباب والشيوخ على التفرج!! ومع ذلك ينخدع له المسلمات الغارقات في الانهزامية، المسارعة إلى الذوبان في أخلاق الجاهلية، حتى قيل: العباءة الفرنسية والعباءة الــ...! والله المستعان
هذا في عالم (المتحجبات!!) بكل أشكالهن، وأما من يعترفن بترك الحجاب من ذوات التبرج المكشوف فبم أعرج عليهن في هذا الفصل.
الجلباب الشرعي
ولا ريب أن ماكانت عليه المرأة قبل هذا الربع الأخير من الزمن هو اللباس الشرعي، فقد أمر الله المؤمنه بضرب الخمار على الجيب فقال: » وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ "[النور:31]، وقد دل هذا على أن الخمار لم يشرعه الله ليجعل فوق الجلباب كما يفعل بعضهن، ولكن تحته سترة للجيب وهو فتحتة الصدر من جهة العنق من الرأس، فعن الحارث ابن الغامدي قال: » قلت لأبي: ماهذه الجماعة؟ قال: هؤلاء القوم قد اجتمعوا على صابئ لهم، قال:فنزلنا فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو الناس إلى توحيد الله عز وجل والإيمان به وهم يردون عليه ويؤذونه، حتى انتصف النهار وانصدع عنه الناس، وأقبلت امرأة قد بدا نحرها تحمل قدحا ومنديلا، فتناوله منها وشرب وتوضأ، ثم رفع رأسه وقال: يابنيّة! خمري عليك نحرك، ولاتخافي على أبيك، قلنا :منهذه؟ قالوا:زينب بنته)) أخرجه الطبراني وهو صحيح.
ومما يدل على أن الخمار لايكون فوق الجلباب وإنما يلاصق نحر المرأة بحيث أنها لو خلعته لبرز عنقها,
مارواه مسلم أن عائشة رضي الله عنها لمّا أخذها أخوها عبد الرحمان لعمرتها من التنعيم قالت(فأردفني خلفه على جمل له، قالت:: فجعلت أرفع خماري أحسره عن عنقي فيضربُ رجلي بعِلّة الراحلة، قلت له: وهل ترى من أحد...؟!)) ومعناه أنها لما كانت وحدها كشفت بعض خمارها فجعل أخوها يضرب رجلها بعود غيرة عليها أن يظهر عنقها لأجنبي.
وتلبس المرأة درعا تحت جلبابها يمنع وصف جسمها وتحجيمه، فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال( كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قُبطيّة كثيفة كانت مما اهداها دِحية الاكرمك اللهيّ، فكسوتها امرأتي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مالك لم تلبس القبطية؟قالت: يارسول الله! كسوتها امرأتي، فقل لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: مرها فلتجعل تحتها غلالة، إني أخاف أن تصف حجم عظامها)) رواه أحمد وهو حسن.
وتلبس المرأة إذا خرجت فوق ذلك جلبابا يشمل جسمها كله، قال الله تعالى: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا " [الأحزاب:59]
الجلباب ينزل من الرأس لا من الكتفين:*
أما كونه يُلبس من فوق أي: ينزل من الرأس لاالكتفين فدليله قوله عز وجل من هذه الآية: »يدنين عليهن من جلابيبهن" ، لأن كلمة (على) تدل على الفوقية، قال سعيد بن جبير رحمه الله: »لايحل لمسلمة أن يراها غريب إلا أن يكون عليها القناع فوق الخمار وقد شدت بها رها رأسها ونحرها)).
الجلباب ماشمل الجسم:*
وأما كون الجلباب يشمل الجسم فيدل عليه لفظه اللغوي الذي جاء به القرآن"جلابيبهن"، قال ابن عباس: »الجلباب الرداء الذي يستر من فوق إلى أسفل)) نقله عنه القاسمي في ((محاسن التأويل)) عند هذه الآية، وكذلك الألوسي في ((تفسيره))، وقال ابن حزم في ((المحلي))(والجلباب في لغة العرب التي خاطبنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ماغطى جميع الجسم لابعضه)).
وقال البغوي في ((معالم التنزيل)): ((وهو الملاءة التي تشتمل بها المرأة فوق الردع والخمار))، وقال القرطبي في ((الجامع لأحكام القرآن))(والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن)).
وينبغي التنبه لوجوب تغطية المرأة قدميها، وأنهما من الجسم الذي يجب أن يعمه الجلباب، والدليل على ذلك مارواه ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقالت أم سلمة:فكيف يصنعن النساء بذيولهن؟ قال: يرخين شبرا، فقالت: إذا تنكشف أقدامهن؟ قال: فيرخينه ذراعا ولا يزدن عليه)) رواه الترميذي وصححه الألباني ، ورواه البيهقي وقال(وفي هذا دليل على وجوب ستر المرأة قدميها))،بل لقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مافي التكشف من تنجس خلقي فعفا عن بعض النجاسة المادية بالنظر إلى النجاسة المعنوية الخلقية، فجوّز للمرأة أن تمر بذيل جلبابها على الأرض النجسة الذي يطهر بعض الشيء بالمرور بعدها على الأرض الطاهرة، فعن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف أنها سألت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت( إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر؟ فقالت أم سلمة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يطهره مابعده)) رواه أبو داود وصححه الألباني.
لاتخرج المرأة إلا بجلباب:
وأما كون المرأة لا تخرج من بيتها إلا بجلباب فلقوله تعالى في تعليل حكمه: « ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ" ،ولاريب أن حاجتها إلى تحقيق هاتين العلتين أي تُعرف بعفتها وأن لاتؤذى تكون غالبا حال بروزها خارج بيتها، ويؤيد هذا الحكم بوضوح حديث أم عطية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر النساء أن يخرجن لصلاة العيد أمرهن بالجلباب، فعن أم عطية قالت( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيّض فيعتزلن الصلاة ويشهدن خيرها ودعوة المسلمين، قلت: يارسول! إحدانا لايكون لها جلباب؟ قال: لتلبسها أختها من جلبابها)) رواه البخاري ومسلم، فلم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي ليس لها جلباب أن تخرج إلا به ولو بأن تستعيره، وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله كما في ((مجموع فتاواه))(فيؤخذ من هذا الحديث أن المعتاد عند نساء الصحابة أن لاتخرج المرأة إلا بجلباب، فلم يأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب درءا للفتنة وحماية لهن من أسباب الفساد وتطهيرا لقلوب الجميع ، مع أنهن يعشن في خير القرون، ورجاله ونساؤه من أهل الإيمان من أبعد الناس عن التهم والرّيب))، ومن هذا الحديث يظهر حكم لبس الجلباب جليا.
حكم لبس الجلباب:
لقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يأمر جميع نساء المؤمنين بارتداء الجلباب الذي سبق وصفه والتعريف به، فقال: »يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ " ، والأمر عند المحققين يفيد الوجوب، ويؤيده أن الله أباح للعجائز ترك الجلباب فقال: »وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ [النور:60]، وفسر ابن عباس وضع الثياب بالجلباب رواه البيهقي وصححه الألباني في ((جلباب المرأة المسلمة))، وهذا ترخيص، والترخيص لايكون إلا عن ترك واجب، لأنه لو لم يكن في أصله واجبا لم يحتج إلى ترخيص.
وقد دل حديث أم عطية المذكور آخرا على وجوب ارتداء المؤمنة الجلباب أمام غير المحارم، لأنه لم يرخص صلى الله عليه وسلم لمن ليس لها جلباب أن تخرج بدونه، بل أمرها أن تستعيره من أختها، فأي عذر بقي للائي يخرجن من بيوتهن بدرع وخمار فقط والجلابيب متوفرة؟! « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ " [الأنفال:24]