حكم الصلاة خلف إمام يقوم بأعمال السحر
أبو سعيد بلعيد الجزائري
السؤال: ما حكم الصلاة خلف إمام يقوم بأعمال السحر، وكتابة الطلاسم والتمائم؟ وقد ترك بعض الشباب الصلاة خلفه، وبعضهم استمر في الصلاة خلفه، فحدث خلاف بين الناس في القرية التي لا يوجد فيها إلا مسجد واحد، وبعض من ترك الصلاة خلفه صار يصلي في البيت، فضعُف إيمانه، وبدأ يبتعد عن الجماعة، حتى صار يخفف من لحيته! وبعضهم صار يدخل إلى أماكن اللهو الباطل!!
الجواب:قال أبو سعيد بلعيد بن أحمد ، عفا الله عنه : الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإنه ينبغي التنبّه إلى أن الحكم بكفر مسلم معيّن ارتكب مُكَفِّرًا يجب أن يتم بالتّحرِي في أمرين مهمّين: الأول: توفر شروط التكفير، والثاني: وجود العَالِم الذي يقيم الحجّة. فهل ذلك الإمام الذي قيل عنه أنه يقوم بأعمال السحر، قد توفرت فيه شروط التكفير، وإقامة الحجّة ؟ وهل ما يقوم به من أعمال هي مما يُخرِج من الدين بيقين أم إنها غير ذلك؟ قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه ، ويقال من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجّة التي يكفر تاركها . وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيراًً )) [النساء 10] ، فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد ، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنـار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع ، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تُكَفِّر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع. وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها ، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه-كائنا ما كان- سواء كان في المسائل النظرية أو العملية. هذا الذي عليه أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وجماهير أئمة الإسلام )) اهـ من مجموع الفتاوى (23/345-346) . ثم قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في (23/349): (( وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد-حين قال القرآن مخلوق- كفرتَ بالله العظيم ، بيّن له أن هذا القول كفر ، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك ، لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها . ولو اعتقد أنه مرتد، لسعى في قتله، [يعني : لَطَلَبَ مِنْ ولي الأمر قَتْلَ حفص الفرد ]، وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم )) اهـ.
قال أبو سعيد : فعلّى هذا فإنّي أنصح السائلين من تلك البلدة أن لا يتركوا صلاة الجماعة بل عليهم أن يحافظوا عليها في مسجد إمامه سني صالح إن استطاعوا ، وإلا فعليهم بالصلاة جماعة خلف إمام مسجد بلدتهم وإن كان فاسقا مادام لم يحكم عليه القاضي أو العالم بأنه كافر بعينه، مع تقديم النصيحة لهذا الإمام أو محاولة تغييره بالتعاون مع المسؤولين، بدون إحداث مفسدة أعظم . لأن العالم بالشرع الإسلامي هو الذي يحكم بالكفر على مسلم معيّن إذا ارتكب ما يوجب تكفيره بعد أن يقيم عليه الحُجّة، فيعرف العالمُ أنه قد توفرت شروط التكفير، وانتفت موانعه، وليس ذلك الحكم بالتكفير من مهمّة طلاب العلم ولا العوام.
أما ترك صلاة الجماعة بمجرد قيام ذلك الإمام بتلك الأعمال ، أقول : إن في ترك الجماعة مفاسد كبيرة قد ذكر السائلون بعضها وهي :
<LI dir=rtl>
جرأة طلاب العلم والعَوامّ على الدخول في أحكام تكفير المسلم المُعَيَّن.
<LI dir=rtl>
تفرق الشباب في المسجد وعدم اجتماعهم .
<LI dir=rtl>
التهاون بأوقات الصلاة.
<LI dir=rtl>
نظرة الناس إلى الشباب المستقيم (الملتزمين) نظرة سلبية حيث وصفهم بعضهم بالنفاق لتركهم حضور الجماعة.
<LI dir=rtl>
تزعزع ثقة الناس بالشباب المستقيم.
رجوع بعض المستقيمين القهقرى حيث بدأ بعضهم بالعبث بلحيته، وأخذ آخرون يرتادون قاعات الألعاب بسبب ترك الجماعة المفضي إلى ضعف الإيمان.
وذلك الإمام مازال في مكانه ، فأين الثمرة الحسنة من ذلك الهجـر ..؟
قال الإمام ابن تيمية ، رحمه الله تعالى : (( وأما الصلاة خلف المبتدع ، فهذه المسألة فيها نزاع، وتفصيل . فإذا لم تجد إماما غيره كالجمعة التي لا تقام إلا بمكان واحد ، وكالعيدين وكصلوات الحج ، خلف إمام الموسم ، فهذه تفعل خلف كل بر وفاجر باتفاق أهل السنة والجماعة ، وإنما تَدَعُ مثل هذه الصلوات خلف الأئمة أهلُ البدع كالرافضة ونحوهم ، ممن لا يرى الجمعة والجماعة إذا لم يكن في القرية إلا مسجد واحد، فصلاته في الجماعة خلف الفاجر خير من صلاته في بيته منفردا ، لئلا يفضي إلى ترك الجماعة مطلقا.
وأما إذا أمكنه أن يصلي خلف غير المبتدع ، فهو أحسن ، وأفضل بلا ريب . لكن إن صلى خلفه، ففي صلاته نزاع بين العلماء . ومذهب الشافعي ، وأبي حنيفة : تصح صلاته. وأما مالك وأحمد : ففي مذهبهما نزاع وتفصيل.
وهذا إنما هو في البدعة التي يعلم أنها تخالف الكتاب والسنة، مثل الرافضة والجهمية، ونحوهم . فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد، مثل مسألة الحرف، والصوت، ونحوها ، فقد يكون كل من المتنازعين مبتدعا، وكلاهما جاهل متأول، فليس امتناع هذا من الصلاة خلف هذا بأولى من العكس . فأما إذا ظهرت السنة وعلمت، فخالفها واحد، فهذا هو الذي فيه النزاع، والله أعلم. والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم)) اهـ (23/355-356).
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه سميع مجيب
كتبه أبو سعيد بلعيد بن أحمد في 17 محرم 1431 هـ الموافق لـ 03 جانفي 2010 م
أبو سعيد بلعيد الجزائري
السؤال: ما حكم الصلاة خلف إمام يقوم بأعمال السحر، وكتابة الطلاسم والتمائم؟ وقد ترك بعض الشباب الصلاة خلفه، وبعضهم استمر في الصلاة خلفه، فحدث خلاف بين الناس في القرية التي لا يوجد فيها إلا مسجد واحد، وبعض من ترك الصلاة خلفه صار يصلي في البيت، فضعُف إيمانه، وبدأ يبتعد عن الجماعة، حتى صار يخفف من لحيته! وبعضهم صار يدخل إلى أماكن اللهو الباطل!!
الجواب:قال أبو سعيد بلعيد بن أحمد ، عفا الله عنه : الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد: فإنه ينبغي التنبّه إلى أن الحكم بكفر مسلم معيّن ارتكب مُكَفِّرًا يجب أن يتم بالتّحرِي في أمرين مهمّين: الأول: توفر شروط التكفير، والثاني: وجود العَالِم الذي يقيم الحجّة. فهل ذلك الإمام الذي قيل عنه أنه يقوم بأعمال السحر، قد توفرت فيه شروط التكفير، وإقامة الحجّة ؟ وهل ما يقوم به من أعمال هي مما يُخرِج من الدين بيقين أم إنها غير ذلك؟ قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى : (( وحقيقة الأمر في ذلك: أن القول قد يكون كفرا، فيطلق القول بتكفير صاحبه ، ويقال من قال كذا فهو كافر، لكن الشخص المعين الذي قاله لا يحكم بكفره، حتى تقوم عليه الحجّة التي يكفر تاركها . وهذا كما في نصوص الوعيد فإن الله سبحانه وتعالى يقول (( إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيراًً )) [النساء 10] ، فهذا ونحوه من نصوص الوعيد حق، لكن الشخص المعين لا يشهد عليه بالوعيد ، فلا يشهد لمعين من أهل القبلة بالنـار لجواز أن لا يلحقه الوعيد لفوات شرط أو ثبوت مانع ، فقد لا يكون التحريم بلغه، وقد يتوب من فعل المحرم، وقد تكون له حسنات عظيمة تمحو عقوبة ذلك المحرم، وقد يبتلى بمصائب تُكَفِّر عنه، وقد يشفع فيه شفيع مطاع. وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق ، وقد تكون عنده ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها ، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله بها ، فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطأ، فإن الله يغفر له خطأه-كائنا ما كان- سواء كان في المسائل النظرية أو العملية. هذا الذي عليه أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وجماهير أئمة الإسلام )) اهـ من مجموع الفتاوى (23/345-346) . ثم قال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى كما في (23/349): (( وكذلك الشافعي لما قال لحفص الفرد-حين قال القرآن مخلوق- كفرتَ بالله العظيم ، بيّن له أن هذا القول كفر ، ولم يحكم بردة حفص بمجرد ذلك ، لأنه لم يتبين له الحجة التي يكفر بها . ولو اعتقد أنه مرتد، لسعى في قتله، [يعني : لَطَلَبَ مِنْ ولي الأمر قَتْلَ حفص الفرد ]، وقد صرح في كتبه بقبول شهادة أهل الأهواء والصلاة خلفهم )) اهـ.
قال أبو سعيد : فعلّى هذا فإنّي أنصح السائلين من تلك البلدة أن لا يتركوا صلاة الجماعة بل عليهم أن يحافظوا عليها في مسجد إمامه سني صالح إن استطاعوا ، وإلا فعليهم بالصلاة جماعة خلف إمام مسجد بلدتهم وإن كان فاسقا مادام لم يحكم عليه القاضي أو العالم بأنه كافر بعينه، مع تقديم النصيحة لهذا الإمام أو محاولة تغييره بالتعاون مع المسؤولين، بدون إحداث مفسدة أعظم . لأن العالم بالشرع الإسلامي هو الذي يحكم بالكفر على مسلم معيّن إذا ارتكب ما يوجب تكفيره بعد أن يقيم عليه الحُجّة، فيعرف العالمُ أنه قد توفرت شروط التكفير، وانتفت موانعه، وليس ذلك الحكم بالتكفير من مهمّة طلاب العلم ولا العوام.
أما ترك صلاة الجماعة بمجرد قيام ذلك الإمام بتلك الأعمال ، أقول : إن في ترك الجماعة مفاسد كبيرة قد ذكر السائلون بعضها وهي :
<LI dir=rtl>
جرأة طلاب العلم والعَوامّ على الدخول في أحكام تكفير المسلم المُعَيَّن.
<LI dir=rtl>
تفرق الشباب في المسجد وعدم اجتماعهم .
<LI dir=rtl>
التهاون بأوقات الصلاة.
<LI dir=rtl>
نظرة الناس إلى الشباب المستقيم (الملتزمين) نظرة سلبية حيث وصفهم بعضهم بالنفاق لتركهم حضور الجماعة.
<LI dir=rtl>
تزعزع ثقة الناس بالشباب المستقيم.
رجوع بعض المستقيمين القهقرى حيث بدأ بعضهم بالعبث بلحيته، وأخذ آخرون يرتادون قاعات الألعاب بسبب ترك الجماعة المفضي إلى ضعف الإيمان.
وذلك الإمام مازال في مكانه ، فأين الثمرة الحسنة من ذلك الهجـر ..؟
قال الإمام ابن تيمية ، رحمه الله تعالى : (( وأما الصلاة خلف المبتدع ، فهذه المسألة فيها نزاع، وتفصيل . فإذا لم تجد إماما غيره كالجمعة التي لا تقام إلا بمكان واحد ، وكالعيدين وكصلوات الحج ، خلف إمام الموسم ، فهذه تفعل خلف كل بر وفاجر باتفاق أهل السنة والجماعة ، وإنما تَدَعُ مثل هذه الصلوات خلف الأئمة أهلُ البدع كالرافضة ونحوهم ، ممن لا يرى الجمعة والجماعة إذا لم يكن في القرية إلا مسجد واحد، فصلاته في الجماعة خلف الفاجر خير من صلاته في بيته منفردا ، لئلا يفضي إلى ترك الجماعة مطلقا.
وأما إذا أمكنه أن يصلي خلف غير المبتدع ، فهو أحسن ، وأفضل بلا ريب . لكن إن صلى خلفه، ففي صلاته نزاع بين العلماء . ومذهب الشافعي ، وأبي حنيفة : تصح صلاته. وأما مالك وأحمد : ففي مذهبهما نزاع وتفصيل.
وهذا إنما هو في البدعة التي يعلم أنها تخالف الكتاب والسنة، مثل الرافضة والجهمية، ونحوهم . فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس في هذه البلاد، مثل مسألة الحرف، والصوت، ونحوها ، فقد يكون كل من المتنازعين مبتدعا، وكلاهما جاهل متأول، فليس امتناع هذا من الصلاة خلف هذا بأولى من العكس . فأما إذا ظهرت السنة وعلمت، فخالفها واحد، فهذا هو الذي فيه النزاع، والله أعلم. والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم)) اهـ (23/355-356).
وفي الختام أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه سميع مجيب
كتبه أبو سعيد بلعيد بن أحمد في 17 محرم 1431 هـ الموافق لـ 03 جانفي 2010 م