برئاسة سماحة العلامة
الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز
- تغمده الله برحمته –
بــيــان مــن ﴿ هيئة كبار العلماء ﴾
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد درس مجلس (هيئة كبار العلماء)- في دورته التاسعة والأربعين – المعنقدة بالطائف، ابتداء من تاريخ (2/4/1419) – ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية – وغيرها – من التكفير والتفجير ، وما ينشأ عنه من سفك الدماء ، وتخريب المنشآت.
ونظراً إلى خطورة هذا الأمر ، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة، وإتلاف أموال معصومة، وإخافة للناس، وزعزعة لآمنهم واستقرارهم : فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك؛ نصحا لله وعباده، وإبراء للذمة، وإزالة للبس في المفاهيم – لدى من اشتبه عليه الأمر في ذلك -.
فنقول وبالله التوفيق - :
أولا : التكفير حكم شرعي ، مرده إلى الله ورسوله ؛ فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب : إلى الله ورسوله ، فكذلك التكفير .
وليس كل ماوصف بالكفر من قول أو فعل ، يكون كفرا أكبر مخرجا عن الملة.
ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله : لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره – دلالة واضحة - ؛ فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن ؛ لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة .
وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات – مع أن مما يترتب عليها أقل مما يترتب عل التكفير - : فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات .
ولذلك حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر ، فقال " أيما امرئ قال لأخيه : ياكافر فد باء بها أحدهما ؛ إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه " ، [ متفق عليه عن ابن عمر ] . وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول – أو العمل ، أو الإعتقاد – كفر ، ولا يكفر من اتصف به ؛ لوجود مانع يمنع من كفره .
وهذا الحكم – كغيره من الأحكام ؛ التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتقاء موانعها ؛ كما في الإرث ، سببه القرابة – مثلا – وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين – وهكذا الكفر : يُكره عليه المؤمن ؛ فلا يكفر به .
وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر ؛ لغلبة فرح ، أو غضب ، أو نحوهما : فلا يكفر بها – لعدم القصد - ؛ كما في قصة الذي قال : " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " ؛ أخطأ من شدة الفرح، [ رواه مسلم عن أنس بن مالك ] .
والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة ؛ من استحلال الدم والمال ، ومنع التوارث ، وفسخ النكاح ، وغيرها مما يترتب على الردة ...
فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة ؟!
وإذا كان هذا في ولاة الأمور: كان أشد ؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم ، وحمل السلاح عليهم ، وإشاعة الفوضى ، وسفك الدماء ، وفساد العباد والبلاد .
ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – من منابذتهم ، فقال : " ... إلا أن تروا كفرا بواحا ؛ عندكم فيه من الله برهان " ، [ متفق عليه عن عبادة ] :
o فأفاد قوله : " إلا أن تروا " : أنه لايكفي مجرد الظن والإشاعة .
o وأفاد قوله : " كفرا " : أن لايكفي الفسوق – ولو كبر - ؛ كالظلم ، وشرب الخمر ، ولعب القمار ، والاستئثار المحرم .
o وأفاد قوله : " بواحا " : أنه لايكفي الكفر الذي ليس ببواح ؛ أي : صريح ظاهر .
o وأفاد قوله : " عندكم فيه من الله برهان " : أنه لابد من دليل صريح ، بحيث يكون صحيح الثبوت ، صريح الدلالة ؛ فلا يكفي الدليل ضعيف السند ، ولاغامض الدلالة .
o وأفاد قوله : " من الله " : أنه لاعبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة ، إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله ، أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - . وهذه القيود تدل على خطورة الأمر.
وجملة القول :
أن التسرع في التكفير له خطره العظيم ؛ لقول الله – عزوجل - : ﴿ قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون ﴾ [ سورة الأعراف : 32 ] .
ثانيا : مانجم عن هذا الإعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء ، وانتهاك الأعراض ، وسلب الأموال الخاصة والعامة ، وتفجير المساكن والمركبات ، وتخريب المنشآت :
فهذه الأعمال – وأمثالها – محرمة شرعا – بإجماع المسلمين - ؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة ، وهتك لحرمات الأموال ، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار ، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم ، وغدوهم ورواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لاغنى للناس في حياتهم عنها .
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم ، وأعراضهم ، وأبدانهم ، وحرم انتهاكها ، وشدد في ذلك ؛ وكان من آخر ما بلغ به النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته ؛ فقال في خطبة حجة الوادع: " إن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ؛ عليكم حرام : كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا " .
ثم قال – صلى الله عليه وسلم - : "ألا هل بلغت ؟اللهم فاشهد " ، [ متفق عليه عن أبي بكرة ] .
وقال – صلى الله عليه وسلم - : كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه " ، [ رواه مسلم عن أبي هريرة ] .
وقال – عليه الصلاة والسلام - : " اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " ، [ رواه مسلم عن جابر ] .
وقد توعد الله – سبحانه – من قتل نفسا معصومة بأشد الوعيد ، فقال – سبحانه – في حق المؤمن : ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جنهم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ﴾ [ سورة النساء : 93 ] .
وقال سبحانه – في حق الكافر الذي له ذمة – في حكم قتل الخطأ - : ﴿ وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ سورة النساء : 92 ] ؛ فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه دية والكفارة ، فكيف إذا قتل عمدا ؟! فإن الجريمة تكونأعظم ، والأثم يكون أكبر .
وقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " من قتل معاهدلا : لم يرح رائحة الجنة " ، [ متفق عليه عن عبدالله بن عمرو ] .
ثالثا : إن المجلس إذ يبين حكم التكفير الناس – بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وخطورة إطلاق ذلك ؛ لما يترتب عليه من شرور وآثام - ؛ فإنه يعلن للعالم : أن الإسلام برئ من هذا المعتقد الخاطئ ، وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة ، وتفجير للمساكن والمركبات ، والمرافق العامة والخاصة وتخريب للمنشآت : هو عمل إجرامي ، والإسلام برئ منه .
وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر برئ منه؛ وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف، وعقيدة ضالة فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله علي الإسلام، ولا علي المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، المستمسكين بحبل الله المتين ؛ وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة ؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة بتحريمه؛ محذرة من صاحبة أهله:
قال_ تعالى_:﴿ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ﴾ [ سورة البقرة : 204 ] .
والواجب على جميع المسلمين – في كل مكان – التواصي بالحق ، والتناصح ، والتعاون على البر والتقوى ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر – بالحكمة والموعظة الحسنة - ، والجدال بالتي هي أحسن ؛ كما قال الله – سبحانه وتعالى- : ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ﴾ [ سورة البقرة : 2 ] .
وقال – سبحانه- : ﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ﴾ [ سورة التوبة : 71 ] .
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " الدين النصيحة " [ ثلاثا ] ، قيل : لمن يارسول الله ؟ قال : " لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم " ، [ رواه مسلم عن تميم الداري ، وعلقه البخاري دون ذكر صحابيه ] .
وقال – عليه الصلاة والسلام - : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ؛ اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " ، [ متفق عليه عن النعمان بن بشير ] .
... والآيات والأحاديث – في هذا المعنى – كثيرة .
ونسأل الله سبحانه ـ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ـ أن يكف البأس عن جميع المسلمين ، وان يوفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد ، وقمع الفساد والمفسدين ، وان ينصر بهم دينه ، ويعلى بهم كلمته ، وأن يصلح أحوال المسلمين – جميعا – في كل مكان ، وأن ينصر بهم الحق . إنه ولي ذلك ، والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد ، وآله ، وصحبه .
الإمام الشيخ عبد العزيز بن عبدالله بن باز
- تغمده الله برحمته –
بــيــان مــن ﴿ هيئة كبار العلماء ﴾
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد:
فقد درس مجلس (هيئة كبار العلماء)- في دورته التاسعة والأربعين – المعنقدة بالطائف، ابتداء من تاريخ (2/4/1419) – ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية – وغيرها – من التكفير والتفجير ، وما ينشأ عنه من سفك الدماء ، وتخريب المنشآت.
ونظراً إلى خطورة هذا الأمر ، وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة، وإتلاف أموال معصومة، وإخافة للناس، وزعزعة لآمنهم واستقرارهم : فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك؛ نصحا لله وعباده، وإبراء للذمة، وإزالة للبس في المفاهيم – لدى من اشتبه عليه الأمر في ذلك -.
فنقول وبالله التوفيق - :
أولا : التكفير حكم شرعي ، مرده إلى الله ورسوله ؛ فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب : إلى الله ورسوله ، فكذلك التكفير .
وليس كل ماوصف بالكفر من قول أو فعل ، يكون كفرا أكبر مخرجا عن الملة.
ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله : لم يجز أن نكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره – دلالة واضحة - ؛ فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن ؛ لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة .
وإذا كانت الحدود تدرأ بالشبهات – مع أن مما يترتب عليها أقل مما يترتب عل التكفير - : فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات .
ولذلك حذر النبي – صلى الله عليه وسلم – من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر ، فقال " أيما امرئ قال لأخيه : ياكافر فد باء بها أحدهما ؛ إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه " ، [ متفق عليه عن ابن عمر ] . وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول – أو العمل ، أو الإعتقاد – كفر ، ولا يكفر من اتصف به ؛ لوجود مانع يمنع من كفره .
وهذا الحكم – كغيره من الأحكام ؛ التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها، وانتقاء موانعها ؛ كما في الإرث ، سببه القرابة – مثلا – وقد لا يرث بها لوجود مانع كاختلاف الدين – وهكذا الكفر : يُكره عليه المؤمن ؛ فلا يكفر به .
وقد ينطق المسلم بكلمة الكفر ؛ لغلبة فرح ، أو غضب ، أو نحوهما : فلا يكفر بها – لعدم القصد - ؛ كما في قصة الذي قال : " اللهم أنت عبدي وأنا ربك " ؛ أخطأ من شدة الفرح، [ رواه مسلم عن أنس بن مالك ] .
والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة ؛ من استحلال الدم والمال ، ومنع التوارث ، وفسخ النكاح ، وغيرها مما يترتب على الردة ...
فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة ؟!
وإذا كان هذا في ولاة الأمور: كان أشد ؛ لما يترتب عليه من التمرد عليهم ، وحمل السلاح عليهم ، وإشاعة الفوضى ، وسفك الدماء ، وفساد العباد والبلاد .
ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم – من منابذتهم ، فقال : " ... إلا أن تروا كفرا بواحا ؛ عندكم فيه من الله برهان " ، [ متفق عليه عن عبادة ] :
o فأفاد قوله : " إلا أن تروا " : أنه لايكفي مجرد الظن والإشاعة .
o وأفاد قوله : " كفرا " : أن لايكفي الفسوق – ولو كبر - ؛ كالظلم ، وشرب الخمر ، ولعب القمار ، والاستئثار المحرم .
o وأفاد قوله : " بواحا " : أنه لايكفي الكفر الذي ليس ببواح ؛ أي : صريح ظاهر .
o وأفاد قوله : " عندكم فيه من الله برهان " : أنه لابد من دليل صريح ، بحيث يكون صحيح الثبوت ، صريح الدلالة ؛ فلا يكفي الدليل ضعيف السند ، ولاغامض الدلالة .
o وأفاد قوله : " من الله " : أنه لاعبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة ، إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله ، أو سنة رسوله – صلى الله عليه وسلم - . وهذه القيود تدل على خطورة الأمر.
وجملة القول :
أن التسرع في التكفير له خطره العظيم ؛ لقول الله – عزوجل - : ﴿ قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لاتعلمون ﴾ [ سورة الأعراف : 32 ] .
ثانيا : مانجم عن هذا الإعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء ، وانتهاك الأعراض ، وسلب الأموال الخاصة والعامة ، وتفجير المساكن والمركبات ، وتخريب المنشآت :
فهذه الأعمال – وأمثالها – محرمة شرعا – بإجماع المسلمين - ؛ لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة ، وهتك لحرمات الأموال ، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار ، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم ، وغدوهم ورواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لاغنى للناس في حياتهم عنها .
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم ، وأعراضهم ، وأبدانهم ، وحرم انتهاكها ، وشدد في ذلك ؛ وكان من آخر ما بلغ به النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته ؛ فقال في خطبة حجة الوادع: " إن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ؛ عليكم حرام : كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا " .
ثم قال – صلى الله عليه وسلم - : "ألا هل بلغت ؟اللهم فاشهد " ، [ متفق عليه عن أبي بكرة ] .
وقال – صلى الله عليه وسلم - : كل المسلم على المسلم حرام دمه ، وماله ، وعرضه " ، [ رواه مسلم عن أبي هريرة ] .
وقال – عليه الصلاة والسلام - : " اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة " ، [ رواه مسلم عن جابر ] .
وقد توعد الله – سبحانه – من قتل نفسا معصومة بأشد الوعيد ، فقال – سبحانه – في حق المؤمن : ﴿ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جنهم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما ﴾ [ سورة النساء : 93 ] .
وقال سبحانه – في حق الكافر الذي له ذمة – في حكم قتل الخطأ - : ﴿ وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة ﴾ [ سورة النساء : 92 ] ؛ فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ فيه دية والكفارة ، فكيف إذا قتل عمدا ؟! فإن الجريمة تكونأعظم ، والأثم يكون أكبر .
وقد صح عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أنه قال : " من قتل معاهدلا : لم يرح رائحة الجنة " ، [ متفق عليه عن عبدالله بن عمرو ] .
ثالثا : إن المجلس إذ يبين حكم التكفير الناس – بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – وخطورة إطلاق ذلك ؛ لما يترتب عليه من شرور وآثام - ؛ فإنه يعلن للعالم : أن الإسلام برئ من هذا المعتقد الخاطئ ، وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة ، وتفجير للمساكن والمركبات ، والمرافق العامة والخاصة وتخريب للمنشآت : هو عمل إجرامي ، والإسلام برئ منه .
وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر برئ منه؛ وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف، وعقيدة ضالة فهو يحمل إثمه وجرمه، فلا يحتسب عمله علي الإسلام، ولا علي المسلمين المهتدين بهدي الإسلام، المعتصمين بالكتاب والسنة، المستمسكين بحبل الله المتين ؛ وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة ؛ ولهذا جاءت نصوص الشريعة بتحريمه؛ محذرة من صاحبة أهله:
قال_ تعالى_:﴿ ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام . وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد . وإذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد ﴾ [ سورة البقرة : 204 ] .
والواجب على جميع المسلمين – في كل مكان – التواصي بالحق ، والتناصح ، والتعاون على البر والتقوى ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر – بالحكمة والموعظة الحسنة - ، والجدال بالتي هي أحسن ؛ كما قال الله – سبحانه وتعالى- : ﴿ وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ﴾ [ سورة البقرة : 2 ] .
وقال – سبحانه- : ﴿ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ﴾ [ سورة التوبة : 71 ] .
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم - : " الدين النصيحة " [ ثلاثا ] ، قيل : لمن يارسول الله ؟ قال : " لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم " ، [ رواه مسلم عن تميم الداري ، وعلقه البخاري دون ذكر صحابيه ] .
وقال – عليه الصلاة والسلام - : " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد ؛ اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " ، [ متفق عليه عن النعمان بن بشير ] .
... والآيات والأحاديث – في هذا المعنى – كثيرة .
ونسأل الله سبحانه ـ بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ـ أن يكف البأس عن جميع المسلمين ، وان يوفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد ، وقمع الفساد والمفسدين ، وان ينصر بهم دينه ، ويعلى بهم كلمته ، وأن يصلح أحوال المسلمين – جميعا – في كل مكان ، وأن ينصر بهم الحق . إنه ولي ذلك ، والقادر عليه .
وصلى الله على نبينا محمد ، وآله ، وصحبه .