صدى الفكر

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

www.sadana.yoo7.com * صدى الفكر * www.sada.tk


    التشيع (عقيدة دينية ؟ ام عقدة نفسية) الجزء الثاني

    صدى الفكر
    صدى الفكر
    Admin
    Admin


    السمك الثعبان
    تاريخ التسجيل : 18/03/2010

    التشيع (عقيدة دينية ؟ ام عقدة نفسية) الجزء الثاني Empty التشيع (عقيدة دينية ؟ ام عقدة نفسية) الجزء الثاني

    مُساهمة من طرف صدى الفكر الأحد سبتمبر 05, 2010 4:56 pm

    الفصل الأول




    منشأ الأمراض والعقد النفسية



    أرى من المناسب هنا أن أتوقف قليلاً عند موضوع كيفية نشوء الأمراض النفسية.

    مبدأ استعادة التوازن (Homeostasis)
    من المبادئ المقررة في علم الفسلجة (أو علم وظائف الأعضاء) أن كل كائن حي يميل إلى الاحتفاظ بتوازنه الداخلي فيزيائياً وكيميائياً من تلقاء نفسه. فإن حدث ما يخل بهذا التوازن قام الجسم من تلقاء نفسه وبطريقة آلية بالعمليات اللازمة لاستعادة توازنه. من ذلك أن الجسم إذا ارتفعت حرارته زاد إفراز العرق، وإن زاد مقدار غاز ثاني أوكسيد الكاربون في الدم زادت سرعة التنفس للتخلص من الزيادة الضارة. فإن لم يفلح الكائن في إصلاح ما اعتراه من اضطراب، أو التعويض عما أصابه من نقص، أي فشل في استعادة توازنه العضوي مرض أو هلك إن مبدأ استعادة التوازن – كما يرى كثير من العلماء – لا يقتصر على تفسير السلوك الصادر عن دوافع وحاجات فسيولوجية، بل يصدق أيضاً على تفسير السلوك الصادر عن دوافع وحاجات نفسية اجتماعية. فإذا عزم الإنسان على إلقاء خطاب هام أمام الجمهور ظل متوتراً حتى يلقيه فيهدأ، وإن أهانه أحد لا تهدأ ثائرته حتى يرد على هذه الإهانة. كذلك الشخص الذي يشعر بالوحشة فإن التوتر الناشئ عن إحباط دافعه الاجتماعي يدفعه إلى التماس صحبة صديق. والذي يعاني شعوراً بالنقص يلجأ إلى التباهي والتفاخر تعويضاً عن نقصه. والطفل المحروم أو المضطهد أو المنبوذ يندفع إلى اللعب بطريقة خاصة تخفف عنه ما يكابده من توتر وقلق. فالطفل الذي يكره أباه أو أخاه يختار من لعبه دمية يفقأ عينها أو يلقيها على الأرض أو يحطمها أو يدفنها في التراب أو يغرقها في الماء. فوظيفة السلوك وغايته أياً كان نوع الدافع إليه هي الاحتفاظ بتوازن الفرد، أو استعادة هذا التوازن حين يختل بالعمل على إزالة التوترات أو خفضها، بغض النظر عن الطريقة التي تتم بها سوية كانت أم شاذة. وحين تكون الوسائل شاذة قد يؤدي ذلك بمرور الزمن إلى الإصابة بالأمراض والعقد النفسية، حين لا تؤدي
    تلك الوسائل إلى استعادة التوازن النفسي.
    وفي هذا يقول د. مصطفى حجازي: إن (وجود الإنسـان المتخلف يتلخص في وضعية مأزقية، يحاول في سلوكه وتوجهاته وقيمه ومواقفه مجابهتها، والسيطرة عليها بشكل يحفظ له بعض التوازن النفسي الذي لا يمكن الاستمرار في العيش بدونه. ولا يقف الإنسان المقهور مكتوف اليدين إزاء هذه الوضعية عسيرة الاحتمال؛ نظراً لكونها تزلزل التوازن الوجودي، بل يحاول أن يجابهها بأساليب دفاعية جديدة متعارضة جدلياً، أو متكاملة في تعارضها... والكثير من معتقدات الإنسان المتخلف وانتماءاته وممارساته تبدو في النهاية كمحاولات دفاعية للسيطرة على وضعيته المأزقية، وإيجاد حلول معينة لها).


    التوافق وسوء التوافق
    التوافق حالة من التواؤم والانسجام بين الفرد وبيئته تبدو في قدرته على إرضاء أغلب حاجاته، وتصرفه تصرفاً يرضيه إزاء مطالب البيئة المادية والاجتماعية. ويتضمن قدرة الفرد على تغيير سلوكه وعاداته عندما يواجه موقفاً جديداً أو مشكلة مادية أو اجتماعية أو خلقية أو صراعاً نفسياً تغييراً يناسب الظروف الجديدة.
    أقول: وهذا يستلزم أن يتحقق التوافق من خلال الاتجاهين: الخارجي والداخلي. الخارجي بالتواؤم مع البيئة، والداخلي بالتواؤم

    مع النفس الذي يحقق للفرد احترامه لذاته ، ورضاه عنها حين يكون التواؤم مع المجتمع منسجماً مع القيم التي يؤمن بها.
    فإن عجز الفرد عن إقامة هذا التواؤم والانسجام بينه وبين بيئته بالشكل المطلوب قيل: إنه ((سيء التوافق)). ويبدو سوء التوافق في عجز الفرد عن حل مشكلاته اليومية على اختلافها عجزاً يزيد على ما ينتظره الغير منه، أو ينتظره هو من نفسه. إن هذا يولد توتراً داخلياً يعرض التوازن النفسي إلى الخلل، ويوقع الفرد في ما يسمى بـ((الأزمة النفسية)).


    الأزمات النفسية
    ينشأ المرض النفسي عندما يصاب الفرد بأزمات نفسية جراء تعرضه إلى صعوبات وعقبات مادية ومعنوية تعوق سير دوافعه نحو أهدافها. فإن عجز عن التغلب عليها بطريقة سريعة مجدية، وإلا صار يعاني من ((أزمة نفسية)). وهي حالة انفعالية مؤلمة تنشأ من الإحباط الموصول لدافع أو أكثر من الدوافع القوية. وتقترن الأزمة عادة بحالة من التردد والحيرة والتوتر والقلق، إضافة إلى ما يترتب على إحباط الدوافع من شعور أليم بالنقص والخيبة والعجز، أو الشعور بالذنب والخجل والخزي والاشمئزاز، أو الشعور بالظلم والرثاء للذات، أو الشعور بالوحدة والاغتراب، أو شعور الفرد بفقد احترامه لنفسه.
    يختلف سلوك الناس حيال ما يعترضهم من صعوبات وعقبات ومشاكل اختلافاً كثيراً:
    1. فمنهم من يمضي في التفكير والتقدير وبذل الجهد للخروج من المأزق، حتى وإن كان في حالة من التوتر الشديد.
    2. ومنهم من يسارع إلى الاستسلام والتخاذل على الفور.
    3. ومنهم من يضطرب ويختل ميزانه بعد محاولات تطول أو تقصر فإذا به قد أصبح نهباً للغضب أو الذعر أو الخزي وغير ذلك من المشاعر التي تنجم عن الفشل والإخفاق. وبدل أن يتجه بجهوده إلى حل المشكلة بأساليب واقعية سوية، إذا به يلجأ إلى أساليب وطرق معوجة أو ملتوية أو متطرفة في سبيل أن تنقذه مما يكابده من توتر وتأزم نفسي. فالشخص السوي إن فقد عمله جد في البحث عن عمل آخر، لكن غيره قد يثور على النظام الاقتصادي، أو ينسب فقد عمله إلى مؤامرات دبرت ضده، أو يعتقد أنه مضطهد، أو يأخذ في استجداء العون واستدرار العطف من غيره. أو يظل دون حراك يجتر أفكار الظلم. أو ينهار فيصاب بمرض نفسي أو عقلي.


    وصيد الإحباط
    هو قدرة الفرد على احتمال الإحباط دون أن يلجأ إلى أساليب ملتوية لحل مشاكله، أي لاستعادة توازنه النفسي. فمن كان وصيد



    إحباطه مرتفعاً استطاع تحمل الإحباط والحرمان، واستطاع الصمود أكثر من غيره. والوصيد المرتفع من أهم علامات الصحة النفسية السليمة وقوة الأنا (وهي قدرة الفرد على مواجهة مشكلات الحياة ومتاعبها دون يأس أو فقدان للاتزان الانفعالي، أو في الثقة بالنفس، أو استغراق في المشكلة دون العمل على حلها).
    ويتوقف وصيد الإحباط على وراثة الفرد إلى حد كبير، كما يتوقف أيضاً على ما يفرغه الفرد على الموقف من دلالة وأهمية نتيجة لخبراته السابقة، خاصة خبرات الطفولة. فالرئيس المستبد قد يكون مصدراً للضيق عند مرؤوسيه، لكنه يكون شيئاً لا يطاق في نظر مرؤوس كان أبوه يستبد به في طفولته. أي ليس المهم الموقف، بل كيفية إدراك الفرد للموقف.
    ولكل إنسان حد معين لتحمل الإحباط والصدمات لا يلبث أن ينهار بعده مهما بلغ اتزانه النفسي. يعرف هذا الحد بـ((نقطة الانهيار))وعلى هذا الأساس تقوم عملية ((غسل المخ))أو غسل الدماغ.


    الحيل الدفاعية
    إن لم يوفق الفرد إلى حل المشكلة التي تواجهه بطرق إيجابية واقعية، ظل في حالة من التوتر الانفعالي الموصول، ما يجعله يلجأ إلى أساليب ملتوية سلبية خادعة تخفف عنه بعض ما يكابده من تأزم نفسي، وتقيه مشاعر القلق والعجز والفشل والخجل والرثاء للذات وغيرها من المشاعر التي تنشأ عن إحباط دوافعه. فإذا به يتجاهل المشكلة أو يتناساها أو ينكرها أو يستصغرها أو يموه عليها أو يتنصل منها بإلقاء اللوم على غيره لا على نفسه. كل ذلك للخلاص مما يعانيه من القلق بدلاً من مواجهته. لذا تسمى هذه الأساليب الملتوية بالحيل الدفاعية؛ لأنها تدفع عن الفرد غائلة القلق، وتهبه شيئاً من الراحة الوقتية، وإن تكن راحة وهمية حتى لا يختل توازنه النفسي.
    وهذه الأساليب في حدودها المقبولة يلجأ إليها الجميع صغاراً وكباراً، الأسوياء وغير الأسوياء للتخفف من أزماتهم النفسية المستعصية، وفي حل مشكلاتهم اليومية العابرة الطارئة. وهي تعمل غالباً على مستوى لا شعوري، أي أن الفرد لا يكتسبها عن قصد، ولا يستطيع ضبطها وكفها بإرادته. لكن حين تزيد هذه الأساليب عن حدودها المقبولة، وينطبع عليها الفرد تؤدي به إلى الوقوع في الأمراض النفسية أو العقلية، أو تتحول هي إلى مرض في ذاتها. أهم هذه الأساليب أو الحيل النفسية الدفاعية، كالتعويض الزائد والكبت والإسقاط والتماهي والنكوص والعدوان إلخ... يقول د. راجح: يتضح لنا مما تقدم أن الأمراض النفسية والأمراض العقلية ما هي إلا وسائل شاذة للتخلص من أعباء وأزمات نفسية لا سبيل إلى التخفف منها إلا بالتورط في هذه الأمراض.


    الدوافع اللاشعورية
    وحتى نزيد الأمر وضوحاً نتوقف قليلاً عند ما يسمى في علم النفس بـ(الدوافع اللاشعورية)، لنرى من خلالها كيف تترسب المؤثـرات المحيطية في أعماق النفس البعيدة، وتتحول بمرور الزمن إلى قوى خفية قابعة في تلك الأعماق تتحكم في انفعالات الفرد وسلوكه وتصرفاته دون شعور منه، أو قدرة على تفسير ما يصدر منه بحيث يستطيع أن يربط بينه وبين تلك الدوافع أو القوى الخفية.
    يقول د. أحمد عزت راجح: لا يشعر الإنسان دائماً بما يحفزه من دوافع شعوراً واضحاً صريحاً، أو يقوم بأعمال لا يعرف لماذا قام بها؟ فهو يستيقظ في الصباح على صوت الساعة الرنانة فيغسل وجهه وينظف أسنانه ويحلق ذقنه ويتناول الإفطار ويقرأ جريدة الصباح، كل أولئك وهو لا يفطن إلى طبيعة الدوافع التي تقوم وراء أعماله هذه، إذ لا سلوك بدون دافع. ومن الناس من يكتب خطاباً لكنه ينسى أن يلقيه في صندوق البريد فيظل الخطاب في جيبه أو على مكتبه أياماً. وقد يزل لسان الفرد وهو يتكلم فينطق بكلمة أو عبارة لم يقصد إليها، بل قد تكون عكس ما يريد؛ فتسبب له من الحرج الشيء الكثير. وقد ينسب هذه الزلة إلى السهو أو الغفلة أو التعب أو الانفعال إلى غير تلك من الأسباب التي يبعد أن تكون الأسباب الحقيقية لزلته. ومن الناس من يخاف عبور الشوارع أو رؤية الدم أو المكث في مكان مقفل أو من حيوان غير ضار
    كالفأر أو الصرصار، وهو لا يعرف لذلك دافعاً أو سبباً. ومنهم من يسرف في غسل يديه كلما صافح شخصاً أو فتح باباً أو لمس كتاباً.


    التنويم المغناطيسي Hypnosis
    من أوضح الشواهد التي تدل على الدوافع اللاشعورية ظاهـرة التنويم أو النوم المغناطيسي. وهو – كما يقول د. راجح – نوم صناعي يحدث عن طريق الاسترخاء الجسمي، وتركيز الانتباه في مجال ضيق من الأشياء أو الأفكار بإيحاء من المنوم... مما يتميز به تضخم قابلية النائم لإيحاء المنوم تضخماً شديداً: فإن وضع المنوم في يد النائم عود ثقاب وأوحى إليه أن وزن العود يزداد رويداً رويداً تخاذلت يد النائم حتى لا يستطيع حمل عود الثقاب، بل لو أوحى إليه بأنه كلب قام النائم فمشى على أربع وأخذ في النباح.
    من خصائص هذا النوم أيضاً أن ينفذ النائم بدقة بعد استيقاظه ما أوحى إليه المنوم به، فلو كلفه المنوم القيام بعمل معين بعد استيقاظه بوقت محدد ككتابة خطاب إلى شخص معين، أو الذهاب إلى حجرة معينة أو ملء ساعة الحائط فإنه ينفذ هذا العمل المحدد دون أن تكون لديه عند استيقاظه أية ذكرى عما أوحى إليه به. من ذلك أنه أوحي إلى شخص أثناء نومه أن يقوم بالأعمال الآتية بعد مرور خمسة عشر يوماً: يخرج إلى الشارع ومعه مظلة يفتحها ويسير بها في الطريق مهما كان نوع الطقس، ثم يشتري شيئاً معيناً تافهاً لا حاجة له به. فلما كان اليوم المحدد والساعة المحددة شعر الشخص بشيء من الضيق وبدافع ملح إلى أداء ما أوحي إليه به ثم قام بتنفيذه. فلما سئل عن السبب في قيامه بهذه الأعمال؟ قال: أنه لا يعرف. وكل ما في الأمر أنه في الساعة المحددة من اليوم المعين طرأت على ذهنه فكرة القيام بهذه الأعمال، لكنه حين رأى أنها أعمال سخيفة عزم على أن لا ينفذها، غير أنه لم يستطع أن يقاوم الفكرة، وشعر أنه لو قام بأدائها تخفف مما يعانيه من ضيق وتوتر. أمثال هذه الظاهرة تكفي وحدها للتدليل على وجود دوافع لا شعورية، بل تدل فوق ذلك على ما لهذه الدوافع من أثر جبري لا يقاوم.


    دوافع خفية (لا شعورية) تحكم الفرد
    الميزة الأساسية في هذه الدوافع أن الفرد لا يشعر بها مع أنها تحكم وتوجه مشاعره
    وسلوكه! ولذلك أسباب عديدة منها: أن طرق إرضائنا لدوافعنا الفطرية والمكتسبة ثبتت وأصبحت عادات نقوم بها دون أن ننتبه أو نفكر فيما يقوم وراءها من دوافع. فنحن نراعي العرف، ونحترم القوانين، وننتمي إلى جماعة، ونعبر عن آرائنا، ونتعاون مع الناس أو ننافسهم، ونعقد الصداقات.. كل أولئك دون شعور صريح بالدوافع التي تحملنا على هذه الأوجه المختلفة من النشاط. ومنها: أن أصول هذه الدوافع ذات تاريخ قديم لفه النسيان من عهد الطفولة فغطى على تلك الأصول. ومنها أن يكون الدافع ثقيلاً على نفس الفرد يجلب له القلق أو الخزي أو الذعر، أو يمس كرامته إن بدا له الدافع واضحاً في بؤرة شعوره؛ لذا فهو يعمى عن رؤيته، بل وينكره إنكاراً إن انكشف له. فمن العسير أو المحال أن تكاشف أُماً تسرف في العناية بطفلها بأن الدافع الحقيقي لإسرافها هذا هو كراهية تحملها في أعماق نفسها لطفلها، وهي كراهية لا تشعر بها. ومن العسير أو المحال أيضاً أن نفاتح أحد الزهاد المسرفين بما يحمله في أعماق نفسه من دوافع شهوية خفية هي أساس إسرافه هذا. وكم من معتدٍ أثيم لا يفطن إلى أن ما يدفعه إلى العدوان شعور عميق بالنقص.
    وللدكتور علي الوردي في هذا الموضوع كلام أراه مناسباً لأن أضيفه هنا إذ يقول: إن الأبحاث النفسية الأخيرة تكاد تشير إلى أن الإنسان مسير في أغلب أعماله لا مخير، ففي أعماق النفس البشرية من العوامل الكامنة ما يكاد يشبه تلك الآلات المتنوعة المخفية في باطن الطيارة.
    ولعلنا لا نغالي إذا قبلنا بأن العلماء اليوم يميلون إلى القول بـ((الجبر))في موضوع الشخصية البشرية. ولكن مما يجدر ذكره بهذه المناسبة أن مفهوم الجبر الذي يقولون به يختلف عن ذلك المفهوم الذي اصطلح عليه علماء الكلام في الإسلام. فهو ليس جبراً ميتافيزيقياً أو غيبياً. إنما هو بالأحرى جبر لا شعوري، قد انبعثت أسبابه من أعماق العقل الباطن. إن الإنسان يسير بوحي العقل الباطن أولاً، ثم يأتي العقل الظاهر أخيراً لكي يبرر ما فعل، ويبهرجه ويطليه؛ فيظهر أمام الناس بالمظهر المقبول.
    وقد يجوز لنا القول بأن الإنسان يعمل ثم يفكر. وهذا عكس ما كان القدماء يظنون به. فهو يندفع نحو شيء ثم يفكر به بعدئذ، كمثل ذلك الأعشى الذي داس على كلب من غير أن يراه، ثم قال: إني أريد أن أقتله.
    لقد كان القدماء يعتقدون بأن الإنسان حيوان عاقل. والواقع أنه حيوان متحذلق. فهو متعاقل لا عاقل. يتظاهر بالتعقل، وهو في الحقيقة مجنون.. على وجه من الوجوه.
    ويضرب د. الوردي مثالاً على ذلك فيقول: إذا أهانك رجل أو اعتدى عليك بحيث لم تستطع لظروف خاصة أن ترد الإهانة عليه، دخلت رغبة الانتقام آنذاك في عقلك الباطن، وبقيت هنالك كامنة تحاول الظهور والتنفيس عن ذاتها بشتى الصور والأساليب. فأنت تصبح إذن مسير من حيث لا تشعر برغبة مدفونة في أعماق نفسك. ولعلك قد تنسى حادثة الاعتداء؛ إذ هي ربما جرت في أيام صباك، وسحبت عليها الأيام ذيول النسيان. ولكنك تبقى رغم ذلك متأثراً بها تأثراً لا شعورياً. فلا تكاد ترى رجلاً آخر له شبه بذلك الذي أهانك أو اعتدى عليك حتى تشعر بكراهته والميل إلى الانتقام منه. فإذا سئلت عن سبب كراهتك له من دون معرفة سابقة له ربما كان جوابك: ((إنك تكرهه من الله)). إنك بذلك تنسب إلى الله ظلماً تقوم به أنت بتأثير عقلك الباطن الدفين


    عملية الكبت ودورها في إخفاء الدوافع



    نعود إلى د. راجح ليقول: الكبت بمعناه العام هو استبعاد دافع أو فكرة أو صدمة
    انفعالية أو حادثة أليمة من حيز الشعور. وكبت الحوادث والصدمات يعني نسيانها. أما كبت الدافع فيعني إنكار وجوده، والعزوف عن التحدث عنه أو تذكره أو التفكير فيه، والرغبة في عدم مواجهته، ورفض الاعتراف به إن أصبح واضحاً في شعورنا. فمن الدوافع ما يؤذي نفوسنا أو يجرح كبريائنا واحترامنا لأنفسنا، ويسبب لنا القلق والألم والضيق إن ظل ماثلاً في شعورنا، كشعورنا بالنقص من عيب فينا، أو شعورنا بالذنب من جرم أتيناه، أو رغبتنا من الانتقام من صديق، أو كراهية الطفل لأبيه الذي يقسو عليه، أو خوفنا من الفشل، أو ارتيابنا من شخص نثق فيه، أو غيرتنا من منافس، أو ميلنا الجنسي إلى بعض محارمنا.. كل هذه دوافع نستبعدها من شعورنا، أي ننكر الاعتراف بوجودها حتى لا تكون مصدر إزعاج لنا.


    من خصائص الدوافع المكبوتة
    1. إنها قوى ليست خامدة، بل هي قوى فعالة وإن كانت كامنة، فهي تتحين الفرص للظهور. وقد تبدو سافرة صريحة في انفجارات الغضب، أو تبدو في صورة رمزية كفلتات اللسان وزلات القلم وغيرها من الهفوات. وتتضح صفتها الرمزية بوجه خاص في أحلام النوم وأعراض الأمراض النفسية.
    وقف أستاذ جامعي يثني على سلفه فإذا به يقول أمام الحفل: (لا يسعني إلا أن أُهنئه على ((جموده))في البحث)، بدل أن يقول: على ((جهوده)). وقال رجل لزوجته: إذا مات أحدنا قبل الآخر فسأتخذ الاسكندرية مقاماً لي). ومن زلات القلم ما كتبه رجل لآخر: (لقد كان لقاؤنا ((أنحس))مناسبة لعقد الصفقة)، بدل أن يقول: ((أحسن)).
    ويصرح علماء التحليل النفسي بأن كثيراً من الفتيات اللاتي يُضعن خاتم الخطبة ينتهي زواجهن بالطلاق أو الشقاق.. فضياع الخاتم رمز إلى رغبة مستخفية في عدم إتمام الزواج.
    يحدثنا فرويد أن مكتبه كان يزخر بكثير من التحف الفنية القابلة للكسر، لكن لم يتفق له أن كسر شيئاً منها. وذات يوم إذا بحركة طائشة من ذراعه تطيح بالغطاء المرمري لمحبرة المكتب فتلقيه كساراً. يقول فرويد: إنه كان قبل الهفوة بقليل يطلع أخته على مجموعته الفنية الثمينة، فأُعجبت بها إلا هذه المحبرة التي قالت: إنها لا تنسجم مع سائر مع على المكتب. وما كاد يعود من نزهة له حتى نفذ ((القضاء))في هذه المحبرة بعينها دون غيرها من التحف. ويعلق فرويد على ذلك: بأن حركة يده لم تكن طائشة كما وصفها، بل كانت حركة ماهرة مقصودة – لا شعورياً – إذ أنها حققت غرضاً في نفسه. والدليل على ذلك أنها تجنبت جميع الأشياء الثمينة المحيطة بالمحبرة
    والطفل الذي يحمل لأبيه كراهية لا شعورية إن أُتيحت له الفرصة أن يلعب بدمى وشخوص وأشياء مختلفة قد يختار واحدة منها يخال أنها الأب فيفقأ عينها، أو يلقيها على الأرض، أو يدفنها في التراب. إنه يعبر بلغة رمزية عن مشكلته حين عجز عن التعبير عنها بلغة صريحة. وهذا طفل في منتصف الثانية من عمره كانت أُمه تتركه وحده فترات طويلة، فكانت لعبته المفضلة التي يكررها مرات ومرات هي أن يمسك ببكرة عليها قطعة من الخيط فيقذف بها تحت السرير حتى تختفي، وهنا يصيح منزعجاً، ثم يجذبها إليه، وما إن يراها حتى يصيح فرحاً بعودتها مرحباً بظهورها. فالطفل في لعبته هذه يمثل بصورة رمزية مأساة يكابدها، ويجسم خبرة مؤلمة يعانيها، هي مأساة اختفاء المحبوب وعودته. وبذا يتخفف مؤقتاً من حالة القلق التي تسيطر عليه.
    وشاب يعاني من حالة سخيفة لا يستطيع مقاومتها: سرقة اللعب والدمى والأشياء الصغيرة الخاصة بالأطفال الصغار مع أنه لا يحتاج إليها! وقد دل التحليل النفسي على أن هذا الشاب ينحدر من عائلة فقيرة، وكان محروماً في طفولته، بينما كان له جيران أغنياء كان أطفالهم يتمتعون باللعب بمختلف اللُّعب والدمى وهو ينظر إليهم بحسرة، ولا يستطيع مشاركتهم فيها.
    2. إنها أقوى أثراً وأصعب ردعاً من الدوافع الشعورية؛ ذلك أنها دوافع مجهولة فلا تسمح للفرد بإرضائها إرضاءاً ملائماً، أو إرجاء إرضائها، أو توجيهها وجهة مناسبة، أو التحكم فيها وضبطها بالإرادة. فمن عرف دوافعه استطاع أن يتحكم فيها، ومن جهلها تحكمت هي فيه.
    هذا زوج كان يثور ويغضب كلما عاونته زوجته على ارتداء ملابسه وهو يستعد للخروج. وكان يُدهش لثورته هذه من شيء تافه كهذا! وقد دل التحليل على أن سلوك زوجته هذا يذكره بسلوك أمه نحوه وهو صغير. فقد كانت أُماً صارمة تتدخل في شؤونه أكثر مما يجب؛ لذا كان يكرهها كرهاً شديداً. ومن هنا يتضح أن السلوك الصادر عن الكبت غالباً ما يكون سلوكاً غريباً أو شاذاً أو سخيفاً.
    3.إن عملت الظروف على استفزاز هذه الدوافع واستثارتها بصورة موصولة زادت
    شدة وضراوة وعنفاً بما يجعل الفرد عاجزاً عن ضبط سلوكه حتى إن أدرك أنه يتصرف تصرفاً غريباً؛ لذا يكون السلوك الصادر عنها قسرياً بالرغم من إرادة الفرد.
    وبهذه الطريقة تحكم ((العقدة))سلوك صاحبها. إنها – كما أسلفنا – استعداد مكبوت يقسر الفرد على ضروب شاذة من السلوك الظاهر والشعور والتفكي
    الفصل الثاني

    الأمراض النفسية الجماعية


    أقصد بالأمراض النفسية الجماعية الأمراض النفسية التي تشيع بين جماعة من الناس، يعيشون في محيط مشترك، وليست مقتصرة على فرد من الأفراد. قد تكون هذه الجماعة شعباً من الشعوب أو أمة من الأمم، أو تجمعاً أو طائفة يرتبط أفرادها برباط معين مشترك أو صفة أو وظيفة تميزهم عن غيرهم. وأرى أن بعض العوامل المثيرة للمرض – كالجغرافيا والفقر والحرب والإشاعة - لها تأثير يتعدى الفرد إلى الجماعة، ومن هنا ينشأ المرض النفسي الجماعي.
    وكما أن للفرد شخصية مستقلة تمتاز بعقلية ونفسية خاصة، فكذلك المجتمع أو المجموع له شخصيته المستقلة التي تمتاز بعقليتها ونفسيتها الجمعية الخاصة، والتي تختلف عن شخصية الأفراد الذين يتكون منهم ذلك المجموع. وعلى هذا تختلف الشعوب في كثير من الصفات: في وجودها وعدمها، أو في درجة تمثلها. فهذا شعب ينزع إلى العقلانية وذاك ينزع إلى الخرافة، وهذا شعب كريم وذلك بخيل، وهذا يميل إلى العفو والسماحة، وهذا إلى الحقد والثأر والانتقام، وهذا نشط مثابر، وهذا خامل كسول إلخ... وقد تكون هذه الصفات مطلقة أو نسبية تظهر عند المقارنة.

    التشخيص أساس العلاج
    إن التعامل مع أي شخص لا يستقيم دون معرفة تامة بعقليته ونفسيتهوأخلاقهوما الذي يثيره ويجذبه أو يزعجه وينفره؟ وهل هناك من فرصة أو مجال لعلاجه وكسبه؟ أم على قلوب أقفالها؟ ومن هنا قال الأطباء: التشخيص أساس العلاج.
    كثير منالدعاةوالمتحدثينيقعفي تعميمات ساذجة ويطلق الأحكام ويعتمد القياس دون النظر إلى نواحي الاختلاف أو الفارق بين هذا المجتمع وتلك الطائفة وذلك الفرد وهذه الجماعة وغيرها من المجتمعات والطوائف والأفراد والجماعات الخ... أو دراسة شاملة عميقة لها من أجل الوصول إلى التشخيص الصحيح كي يكون تعامله أو علاجه قائماً على أساس علمي صالح للاعتماد. مثلهم كمثل طبيب يعالج مرضاً مستعصياً دون تركيز ودراسة معمقة لتأريخ سير المرض وتطوره، أو إجراء الفحوصات السريرية والمختبرية؛ فتفوته أمور في غاية الأهمية لا بد منها للوصول إلى التشخيص الضروري لتوصيف العلاج.
    من ذلك أن بعض الأمراض التي تبدو (عضوية) المنشأ إنما هي فيحقيقتهانفسيةالأسباب،كأنتكون(هستيرية)، أي ليست حقيقية وإنما هيأعراض لمرض نفسي يتستر بتلك الأعراض لخوف المريض اللاشعوري من الإفصاحعنالسببالحقيقي،وإنكانهذاالخوفمترسباً في اللاوعي، أي كامناً في الأعماق بحيث لا يشعر به المريضنفسه.مثاله:شخصيتهربمنمسؤوليةعائلته.هو يخاف من الإفصاحعنهذهالرغبةأو مواجهتها. فكيف يوفق بين تنفيذ رغبته في التهرب من المسؤولية وبين عدم الإفصاح عنها؟ هنا يكون المرض الهستيري هو الحل أو الحيلة النفسية التي تحقق لهذا الشخص التوفيق المطلوبوتوجدله العذر المقبول للتنصل من المسؤولية العائلية فيغدو
    مريضاً يشكو من أعراض عضوية لكنها وهمية لا وجود لها.
    إن هذا المريض لا يمكن أن يشفى من هذه الأعراض أو المرض الهستيري مهما بذل له الطبيب من مجهود أو، وصف له من علاج. لماذا؟! لأن العلاج خارج دائرة المرض بسبب الخطأ في التشخيص. فالمرض نفسي والعلاج عضوي. أي إن العلاج وجميع المحاولات الطبية لن تكون أكثر من قفز في فراغ. وإن طبيباً لا ينظر إلى المريض نظرة شمولية لا يمكن أن ينجح في توصيف العلاج مهما بذل من محاولات.
    إن الساحة الدعوية أو الدينية تعج بمثل هذا الطبيب ممن يجيد الكلام عـن كثير من الموضوعات الفكرية والفقهية والروحية، لكنه لا يمتلك النظرة الشمولية، وليس عنده معرفة بالنفسية الإنسانية أفراداً وجماعات وشعوباً وقبائل وطوائف ومذاهب، ولا قابلية على تحويل هذه المعرفة إلى فعل إيجابي مؤثر، ولا خبرة ميدانية تجعله قادراً على توظيف ما عنده من مفاهيم ومعرفة في محلها المناسب.



    الفصل الثالث

    دراسات في الشخصية الفارسية


    تمتاز الشخصية (الفارسية) بخصائص نفسية معينة، اتفق علىملاحظتها وذكرها الخاص والعام ممنتعاملمع الإيرانيين، وخبر حياتهم وأخلاقهم، وكيف أعدت، أو تعدت هذه الأخلاق إلى المتأثرين بهم والمتشيعين لهم، سوى أن العالِم يختلف عن غيره في عمق النظرة والقدرة على الرصد والتحليل، وربط الأسباب بالمسببات والنتائج بالمقدمات.
    قام بدراسة هذه الشخصية عدد من العلماء، وثبتوا ملاحظاتهم العلمية في بحوث ميدانية، مدعومة بالأدلة الاستبيانية والشواهد التجريبية. ذكرت بعض هذه الدراسات في كتابي (لا بد من لعن الظلام)؛ فلن أذكرها هنا تفصيلاً مرة أخرى، تجنباً للإطالة والتكرار.
    من هذه الدراسات:

    (الشخصية الإيرانية ومكوناتها) للأمريكي جاك ميلوك(1)ضمن كتاب (الثورة الإيرانية والتمدن الحديث). استخلصها – كما جاء في الدراسة - من:
    بحث تجريبي قام به الأستاذ (البروفسور) مارفن زونيس طبقه على ثلاثمائة شخصية إيرانية تمثل النخبة السياسية الممتازة في إيران، بغض النظر عن كون تلك الشخصيات داخل الحكم أو خارجه. من أجل التأكيد على صحة بعض الانطباعات الخاصة، وذلك بواسطة استبيانات أعدت بعناية لذلك الغرض.
    ودراسة مفصلة في سنة 1964 قام بها (معهد الإيمان والدراسات الاجتماعية) في جامعة طهران.
    وجد الأستاذ زونيس – كما ذكر ميلوك - أن هناك أربع خصائص متميزة تنتصب
    قائمة كعلامات خاصة دالة على الشخصية الإيرانية والسلوك الإيراني. وهي:
    أ. الإيمان بأن السلوك البشري تهيمن عليه المصالح الذاتية وحدها.
    ب. سوء الظن أو الارتياب.
    ج. القلق وعدم الاستقرار.
    د. الاستغلال الشخصي للأفراد بعضهم البعض.
    ونقل انطباع شاه إيران نفسه عن الشخصية الإيرانية بأنها مولعة بالنفاق والمراءاة، وبعدم الرغبة في العمل الجماعي، وبعدم الإحساس بوجود الآخرين. وتتمتع بضعف المبادئ.

    بحثللفرنسي أدور سابيليه2بعنوان (إيران من الجانب الآخر) في كتابه (إيران مستودع البارود).
    بحث قام به المؤرخ العراقي الأستاذ (البروفسور) عماد عبد السلام رؤوف، في مقدمة كتاب (الصراع العراقي الفارسي)، لنخبة من المؤرخين.



    أهم الخصائص النفسية التي تميز الشخصية الفارسية

    لقد تطرق هؤلاء العلماء إلى جملة من الخصائص النفسية، التي تميز الشخصية الإيرانية، أهمها:

    الغدر:بسبب شكوك الإيراني وعدم ثقته بالآخرين فليس لديه القدرة على الامتزاج. انه يبحث عن الأمان في الانعزالية عن الناس، أو بواسطة توجيه ضربته الأولى.
    الشك والارتياب وسوء الظن:فالشعور بعدم الأمان مغروس عميقا عند الإيرانيين. إن هذا الشعور بالارتياب يجعل الإيراني يعتقد بأنه ليس هناك شيء بنفس البساطة والاستفادة التي ربما يظهر عليها، وأنه لا يمكن قبول الأمور على أساس قيمتها السطحية أو الظاهرية.
    الوقاحة:فيقطعةأدبيةمشهورة في الأدب الفارسي ينصح أحد الحكام الإيرانيين
    من ذوي العقل الراجح ابنه حول الكيفية التي يتوجب على الابن اتباعها من أجل أن يكسب حياته في إيران قائلاً:
    (لا تتخوف من سوء استعمالك للحق أو السلطة ولا من الإذلال أو تشويه السمعة والافتراء… وعندما يجري طردك خارج أحد الأبواب تعال وادخل بابتسامة من باب آخر… كن وقحاً ومتغطرسا وغبياً، لأنه من الضروري في بعض الأحيان التظاهر بالغباوة لأن في ذلك فائدة. حاول أن تقيم علاقات مع أولئك الذين يتبوأون مناصب عالية. اتفق في الرأي مع أي شخص بغض النظر عن ماهية رأيه، وذلك من أجل أن تجتذب تأييد عطفه الأكبر).

    الشعور بالتفوق أو الاستثنائية:الفذة التي لا مثيل لها. يصبح هذا الشعور مثل درع يحتمي وراءه الفرد ويخفي نفسه أثناء فترة التطور الثقافي السريع. وهذا يجعل الهوية الإيرانية قادرة على البقاء بالرغم من تعرضها لموجات مختلفة من الغزوات، وقادرة على امتصاص مؤثرات ثقافية كانت تواجهها بدون أن تغوص الهوية الإيرانية الذاتية إلى القعر. وعلى خلاف الشعوب الأخرى لم يمتزج الفرس بوشائج الصلة الوثيقة مع العرب حملة الراية الإسلامية، بل حافظ الفرس على شخصيتهم الذاتية حتى في ظل الإسلام. ففي مقابل المذهب السني الشائع بين العرب اخترعوا المذهب الشيعي. وعندما كان مجموع المسلمين يخضعون لسلطان الخليفة فان الإيرانيين اتخذوا من المذهب الشيعي ذريعة لمناهضة شرعية الخلافة باعتبار عدم جواز الإمامة إلا حصراً بسلالة علي. واستعان الفرس بالتكتل الشيعي لتحقيق مآربهم. إن الفرس مسلمون، ولكنهم يختلفون عن المسلمين الآخرين. ومن هذا المنطلق استطاعوا الاستمرار على تحصين أنفسهم ضد الانصهار.
    الكذب:إن المعنيين بدراسة إيران وشؤونها متفقون عموماً على الاستنتاج القائل بأن الارتياب وعدم الاطمئنان والتخفي الديني تحت مظهر كاذب هي مميزات الإيرانيين. حتى إن محمد رضا بهلوي قد ذكر هذه المميزات بصورة فظة وذلك بقوله: (ان الفرس يكذبون). وقد اشتكى الشاه السابق أيضاً من أن الكذب ذاته يجري تمجيده على أساس أنه فضيلة، مقتبساً في شكواه ما جاء في كتاب الشاعر الفارسي سعدي:
    (إن الكلمات التي تخدعك وتضللك، ولكنها تسعد قلبك هي أغلى من الصدق.وتزيد في قيمتها عن الشيء الذي يجعلك حزينا ويعكر مزاجك). إن المثل القائلSadاحجب عن العيون ذهابك وذهبك ومذهبك) هو واحد من عدد كبير من تحذيرات شرعية مماثلة موجودة في الجعبة التجارية الفارسية.

    الملق والتلون والمداهنة:إن الملق والمداهنة والغش يجب أن تكون جميعا الأدوات التي يحتاجها الفرد لأجل أن يتقدم ويصعد إلى أعلى. لقد قال زعيم إيراني: إن الإيرانيين هم مثل الحرباء. إنهم يغيرون ألوانهم كل يوم وتتلون سياساتهم بما يتناسب مع ألوانهم المتغيرة. إن استعمال تعبيرات مثلSadإنني عبدك المطيع)أو (إنني التراب الذي تطأه قدماك) أو (دعني أقبل رجليك ألف مرة) هي جزء صغير من مفردات قياسية للغة اليومية التحادثية.
    المراوغة والخداع والباطنية: يرى الأجنبي في الفارسي مسلماً يمارس شعائر الدين غير أنه لا يمكن له أن يجزم بأنه من المؤمنين. وقد تعلم الناس أن لا يظهروا معتقداتهم بصورة علنية. وكانوا عند الضرورة لا يترددون في التظاهر بإنكارها ويلجأون إلى التحايل والمراوغات لخداع خصومهم. ولا يزال يوجد حتى الآن فئات يمكن اعتبارها مسلمة من الناحية الرسمية غير أن أفراد عوائلها يمارسون الطقوس الزرادشتية المتوارثة.
    الازدواجية: الثنائية عند الفارسي هي صفته المميزة ففي أعماق نفسه حماس منقطع النظير، ومشاعر أشبه ما تكون بالأعراض المرضية، أما في الظاهر فهو متحلل من كل ارتباطاته بالقيم والأعراف والتقاليد. متصوف في قرارة نفسه، مخاتل وماكر في تصرفاته الظاهرية.
    الطبيعة الإيحائية: يتأثر الفارسي كثيراً بالأساليب الإيحائية كالصور والتمثيل ،
    ويندمج تماماً فيها، بحيث يبدو وكأنه يعيش ذاتياً الحالة المعروضة أمامه. في ليلة صافية الأديم وفي قرية صغيرة تقع جوار رضائية عرضت إحدى السينمات المتجولة
    فلماً غربياً على شاشة نصبت في الهواء الطلق. وعندما اختطف أحد أفراد العصابة بطلة الفلم بوحشية وأردفها على جواده سارع الحاضرون إلى امتطاء خيولهم واندفعوا
    لمطاردة الخاطف!

    الغطرسة واحتقار الغير إن الفارسي إنسان متغطرس، وأكثر ميلاً من غيره لاحتقار الغريب فيما إذا اعتقد بأنه يحاول إخضاعه وإذلاله، أو أنه يتحاشاه عند الاقتضاء. والفارسي بطبيعته المتغطرسة لا يتردد في إظهار إعجابه بنفسه. وعندما يحس الفارسي بالسعادة يتظاهر دائماً بالمرارة والألم!


    نظرة تحليلية في جذور الأمراض النفسية الفارسية
    أما الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف فقد رصد صفات مرضية أخرى في الشخصية الفارسية. لكنه لم يكتف بالعرض أو التوصيف الخارجي، إنما غاص وراء الأسباب الكامنة لها، ووضع أيدينا على الجذور الضاربة في أعماق النفس (الفارسية). سيأتي لاحقاً تلخيص ما قاله بهذا الصدد. إلا أني سأقف قليلاً عند أهم ما رصده من صفات:

    الفرس أقل عدداً وأدنى حضارة:الفرس هم الوحيدون – من بين القوميات الفارسية الأخرى - الذين ليست لهم إمتدادات قومية خارج إيران. لقد كانوا فعليا مجرد قومية وسط قوميات متعددة لكل منها تراثها وحضارتها ووطنها. ولم يكن الفرس على مستوى حضاري مكافئ للحضارات الموجودة إلى الغرب منهم، لذا فقد اخذوا موقعهم كـ(متلق) للحضارة لا صانع لها فالديانة الزرادشتية لم تكن فارسية وإنما ميدية… بل إن اللغة الفارسية لم تكتب قط بأحرف فارسية وإنما بالمسمارية العراقية فالآرامية والعربية. وامتد تأثير الحضارات العربية منذ قبل الإسلام وبعده إلى معظم مناحي الحياة الاجتماعية الفارسية وتركت آثارها واضحة في مجالات الفنون والعمارة فضلاً عن الإدارة والقوانين حتى عد الباحثون - ومنهم أكثر تعصبا للفرس - دولهم القديمة بأنها مجرد استمرار للدول الرافدينية.


    العدوانيةوالتوجسوالشك:لقد أدرك الفرس أن تحقيق سيطرتهم على عدد كبير من القوميات يفوقهم بعضها عددا وحضارة ، لا يكون إلا بإخضاعها إلى ضغط تحد خارجي، وإثارة شعور التوجس لديها من خطر ما يأتي من الخارج. وكان التحدي الحقيقي أمام الفرس هو ذلك التحدي القادم من غرب إيران أي من الوطن العربي.
    مركبالشعوربالنقص:إنإحسـاسالفرسبتخلفهمتجاهالفعلالحضاري الآتي
    من الغرب يتخذ وضعا حادا ينعكس على شكل رد فعل غير حضاري نحوه يستهدف
    تدمير الحضارة فيه، أو مكافأة تأثيره على الأقل، ولكن بالفعل العسكري وحده.




    (الفارسية) عقدة وعقيدة توسعية:وهكذا تحولت (الفارسية) من كونها إحدى قوميات (إيران) إلى عقيدة توسعية تعبر عن جيوبولوتيكية لا تحقق أغراضها إلا بالتوسع المستمر أكثر من تعبيرها عن إرادة أمة قومية بذاتها. وهذا ما يفسر ظهور سلالات حاكمة في إيران من غير الفرس التزمت بسياسة الفرس نفسها.
    عقيدة وعقدة عداء ضد العرب:لقد تحول مركب النقص الحضاري هذا على مر العصور إلى عقيدة راسخة معادية لكل الحضارات العربية أو التي وجدت في الأرض العربية. بل انه تحول في اللاوعي الفارسي إلى نزعة عدوانية مدمرة لكل فكرة بل قيمة تأتي من هذا الاتجاه.
    اللؤم ونكران الجميل:ولما لم يكن هذا الغرب يمثل إلا مصدر إشعاع للحضارة، لا خطرا ماديا حقيقيا فإن العقلية الفارسية تعودت أن تنظر إلى هذه الحضارة بعين واحدة. إنها تتأثر بها لأنها مضطرة إلى ذلك لنقص في مستواها الحضاري، وتعاديها في الوقت نفسه لأنها تمثل خطراً يهدد سيطرتها على القوميات العديدة التي تحيط بها، فلقد اعتنق الفرس الإسلام كسائر شعوب المشرق لكنهم حاربوه من داخله، وتعلموا الآداب العربية لكنهم حاربوها بما تعلموه منها، وكتبوا بالحرف العربي لكنهم شنوا حرباً على اللغة العربية نفسها1.
    11 حدثني أحد الدارسين في النجف، قال: كنا في حوزة النجف سنة 2002 نحضر درساً في جامع الراس. سأل واحد منا الشيخ يوماً: إن مادة درس العربية صعبة جداً؟ مشيراً إلى كتاب (قطر الندى). فأجابه: إن هذه العلوم قد ألفها أبناء العامة؛ لذلك تراها صعبة معقدة مثلهم. قال: ألا يوجد عندنا علماء يؤلفون لنا مصنفات أسهل؟ فقال الشيخ متحسراً: مع كل الأسف لم يخرج فينا نحن الشيعة إلى الآن أحد يصنف لنا كتاباً في اللغة العربية!.علماً أن الكتب المعتمدة لتدريس اللغة في مدارس الحوزة هي: التحفة السنية، قطر الندى، شرح ابن عقيل.





    المسكنة والشعور بالاضطهاد :إن التاريخ لم يسجل أية أعمال عدائية قام بها
    العرب ضد إيران بل العكس دائماً. وعلى الرغم من ذلك فان الفرس كانوا يصورون
    أي عدوان يقومون هم به على الأمة العربية بأنه (دفاع عن النفس) ، حتى اصبح هذا
    قانوناً ثابتاً في السياسة الخارجية الفارسية في مختلف مراحل التاريخ. ومعنى هذا أنهم
    إن لم يجدوا خطرا حقيقياً يهدد بلادهم من الغرب فإن عليهم أن يوحوا إلى شعوبهم بمثل هذا الخطر

      الوقت/التاريخ الآن هو الخميس مارس 28, 2024 11:38 am